الطاولة المُستصلحة للعمل المناخي

أغصان الأشجار الجافة من اليمن. ألواح جدران متفحمة بسبب حرائق الغابات في إسبانيا. أجزاء من منزل أوغندي جرفتها الفيضانات. هذه ليست سوى بعض العناصر الموجودة في طاولة فريدة صنعها الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، لإبراز تأثير الكوارث المرتبطة بالمناخ في جميع أنحاء العالم. في الصورة أعلاه، يظهر جزء من الطاولة المعروضة في مؤتمر الأطراف للمناخ COP28، حيث تُعتبر مساحة محايدة للإجتماع ومناقشة الحلول. فيما يلي القصص وراء كل جزء من الطاولة، وقصص الأشخاص المتأثرين، والإجراءات المتخذة لحمايتهم في المستقبل.

المانيا

الصليب الأحمر الألماني يستجيب للفيضانات المدمرة في عام 2021.

الصليب الأحمر الألماني يستجيب للفيضانات المدمرة في عام 2021.

صورة: الصليب الأحمر الألماني

جزءًا أزرق اللون من بابٍ قديم، مقبضه الصدئ لا يزال في مكانه، شهد على الدمار المروّع الذي سببته الفيضانات غير المسبوقة التي اجتاحت أربع ولايات ألمانية في يوليو/تموز 2021، وأدت الى مقتل ما يقرب من 200 شخص، ودمّرت المنازل، والجسور، وغيرها من البنية التحتية الحيوية، مما تسبب في أضرار قيمتها مليارات اليورو.

آثار الكارثة كانت الأعلى تكلفة: أُسر فُجعت، أرواح فُقدت، سبل عيشٍ دُمِرت، ومجتمعات تشردت.

استجاب الصليب الأحمر الألماني على الفور، وقام بعمليات البحث والإنقاذ، ودعم الناجين. يتذكر المتطوعون والموظفون الأحداث المروعة، ويتساءلون: كيف ستواجه ألمانيا، وبقية العالم، ازدياد تواتر وحدّة الكوارث المرتبطة بالمناخ في المستقبل.

اليمن

متطوعو الهلال الأحمر اليمني يستجيبون للجفاف، الى جانب آثار النزاع الذي طال أمده.

متطوعو الهلال الأحمر اليمني يستجيبون للجفاف، الى جانب آثار النزاع الذي طال أمده.

صورة: الهلال الأحمر اليمني

تمثل أغصان الأشجار الجافة من اليمن الأثر المزدوج للجفاف والفيضانات المفاجئة. إنها ظاهرة تواجهها المزيد والمزيد من المجتمعات، حيث أصبحت أنماط الطقس أقل قابلية للتنبؤ بها، في حين تصبح التربة التي تجففها الشمس أقل قدرة على امتصاص الأمطار الغزيرة.

وتأتي هذه الظواهر المتناوبة على رأس ما يقرب من عقد من الصراع، الذي ترك أكثر من ثلثي سكان البلاد في حاجة إلى المساعدة الإنسانية، و14 في المائة من السكان نازحين داخليًا، وأكثر من 16 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي.

وفي يوليو/تموز 2022، أعقب الجفاف الطويل الأجل فيضانات مفاجئة ناجمة عن عواصف رعدية شديدة. وتكبدت أكثر من 31 ألف أسرة خسائر في الأرواح، المنازل وسبل العيش.

استجاب الهلال الأحمر اليمني على الفور لإنقاذ الناجين، وتوفير الرعاية الصحية والدعم النفسي الاجتماعي في 23 مركزًا صحيًا تابعًا للهلال الأحمر.

اسبانيا

فريق من الصليب الأحمر الإسباني يصل إلى منطقة تضررت من حرائق الغابات.

فريق من الصليب الأحمر الإسباني يصل إلى منطقة تضررت من حرائق الغابات.

صورة: الصليب الأحمر الإسباني

تشكل ألواح جدران بنّية اللون، تفحمت بسبب حرائق الغابات في إسبانيا، جزءًا آخر من الطاولة. تفحمت الشرائح الخشبية خلال إحدى حرائق الغابات التي انتشرت في جميع أنحاء إسبانيا بسبب موجات الحرّ الشديدة والمتزايدة التواتر.  

في شهر أغسطس الماضي، اندلع حريق في غابة بجزيرة تينيريفي الإسبانية، في جزر الكناري. ومع ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض الرطوبة، وازدياد قوة الرياح، انتشرت النيران بسرعة كبيرة لا يمكن السيطرة عليها. وسرعان ما اشتعلت النيران في 12 بلدية مختلفة، مما أثر على حوالي 14,600 هكتار. وتم إجلاء أكثر من 12,000 شخص مرّوا في هذه المحنة المرعبة.  

وعمل الصليب الأحمر الإسباني على مدار الساعة لدعم الأشخاص المتضررين من هذه الكارثة، فضلاً عن حرائق أخرى مماثلة في جميع أنحاء البلاد. ولا يزال يقدم الدعم حتى اليوم، بما في ذلك العمل لمساعدة المجتمعات على الحدّ من مخاطر الكوارث المناخية.

بنما

الصليب الأحمر البنمي يساعد المجتمعات المحلية من خلال توفير مياه الشرب في أعقاب العواصف الشديدة.

الصليب الأحمر البنمي يساعد المجتمعات المحلية من خلال توفير مياه الشرب في أعقاب العواصف الشديدة.

صورة: الصليب الأحمر البنمي

تحتوي زجاجة السيراميك الموضوعة في وسط الطاولة على مياه من الفيضانات الكارثية التي اجتاحت عدة مقاطعات في بنما في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.  

تشكل مياه الفيضانات تهديدًا متعدد الطبقات لحياة الإنسان، فحتى كميات صغيرة منها تحمل نفايات بشرية غير مُعالجة، وملوثات، وسموم يمكن أن تنشر أمراضًا تهدد الحياة. بنما معرضة بشدة للفيضانات والانهيارات الأرضية، وتستمر وتيرتها وشدتها في الازدياد مع تفاقم أزمة المناخ.

وفي عام 2022، فاضت الأنهار الرئيسية في ثلاث مقاطعات بعد أيام من الأمطار الغزيرة، مما أدى إلى تدمير مجتمعات بأكملها وتلويث إمدادات المياه. وفي العام السابق، تسببت الأمطار الغزيرة في حدوث فيضانات شديدة في ثلاث مقاطعات غربية، مما أدى إلى تدمير المنازل، والمؤسسات، والطرقات والجسور.

لا يزال الصليب الأحمر البنمي يدعم الأشخاص الذين فقدوا كل شيء في هذه الكوارث المناخية – ويعمل على بناء قدرة المجتمع على الصمود قبل التهديد المناخي المقبل.

إيطاليا

فرق الصليب الأحمر الإيطالي تساعد في أعمال الحفر بعد الانهيار الطيني الناجم عن الأمطار الغزيرة.

فرق الصليب الأحمر الإيطالي تساعد في أعمال الحفر بعد الانهيار الطيني الناجم عن الأمطار الغزيرة.

صورة: الصليب الأحمر الإيطالي

للوهلة الأولى، قد تبدو الصنادل في وسط الطاولة مثل أي زوج عادي من أحذية الأطفال. لكن بالنسبة للصليب الأحمر الإيطالي، فهي ترمز إلى أزمة المناخ التي تعرض حياة عدد لا يحصى من الناس للخطر، وغالبًا ما تدفع الناس إلى التنقل لمسافات طويلة، داخل إيطاليا وفي أجزاء أخرى من العالم.

المتطوعون الذين يرحبون بالمهاجرين غالباً ما يمنحوهم أحذية جديدة، وهي لحظة تمثل خط النهاية وبداية جديدة في نفس الوقت.

يعتبر النزوح المناخي ظاهرة متنامية داخل إيطاليا، فالبلاد معرضة للفيضانات والانهيارات الأرضية، في حين أن ارتفاع درجة حرارة البحار على كلا الساحلين يجعلها عرضة بشكل متزايد للعواصف القوية. ففي عام 2023، على سبيل المثال، أدت الفيضانات الشديدة إلى تشريد 20 ألف شخص في منطقة إميليا رومانيا بشمال إيطاليا.

يعمل الصليب الأحمر الإيطالي على دعم الأشخاص الذين يضطرون إلى النزوح بسبب أزمة المناخ، بغض النظر عما إذا كان النزوح قصيرًا أو طويل المدى، أو ذات مسافة طويلة أو قصيرة.

سوريا

يؤدي الجفاف طويل الأمد وعواقب الصراع في سوريا إلى وضع الغابات والمحاصيل والمجتمعات المحلية تحت ضغط كبير.

يؤدي الجفاف طويل الأمد وعواقب الصراع في سوريا إلى وضع الغابات والمحاصيل والمجتمعات المحلية تحت ضغط كبير.

صورة: الاتحاد الدولي

لقد عانى الشعب السوري من الصراع والنزوح والكوارث لأكثر من عقد من الزمن. وتتعرض هذه البيئة الهشة أيضًا للتهديد بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وفترات الجفاف الطويلة، ونقص المياه.

مزيج من البيئات القاحلة وشبه القاحلة، حيث أن 2% فقط من إجمالي مساحة الأراضي في البلاد تتكون من الغابات (التي تأتي منها بعض الأخشاب في هذه الطاولة). لكن الغابات ليست النظم البيئية الوحيدة المعرضة للخطر، حيث ارتفع متوسط درجات الحرارة في سوريا بمقدار درجتين مئويتين في السنوات المائة الماضية (ما يقرب من ضعف المتوسط العالمي). تعتمد معظم المحاصيل في سوريا على الأمطار، وتأتي معظم محاصيل القمح من المناطق المعرضة للجفاف.

يعمل الهلال الأحمر العربي السوري على الحدّ من مخاطر الكوارث، وتمكين المجتمعات الأكثر عرضة للخطر من خلال برامج تركّز على إطلاق سبل عيش جديدة، ومن خلال برامج الإمداد بالمياه، الإصحاح والنهوض بالنظافة (WASH)، فضلاً عن عدد من البرامج الأخرى.

أوغندا

فرق الصليب الأحمر الأوغندي تصل إلى القرى الجبلية النائية بعد سلسلة من الفيضانات والانهيارات الطينية.

فرق الصليب الأحمر الأوغندي تصل إلى القرى الجبلية النائية بعد سلسلة من الفيضانات والانهيارات الطينية.

صورة: الصليب الأحمر الأوغندي

تعاني أوغندا من عدم انتظام هطول الأمطار على نحو متزايد خلال السنوات القليلة الماضية. وقد أدى ذلك إلى فيضان الأنهار، والانهيارات الطينية، والانهيارات الأرضية التي دمرت المجتمعات التي تعيش الواقعة على سفوح الجبال، كما واجهت المناطق المنخفضة فيضانات متكررة.

ففي سفوح التلال المحيطة بمدينة كيسورو بغرب أوغندا، على سبيل المثال، نزح آلاف الأشخاص بسبب الفيضانات والانهيارات الطينية. وصلت فرق الصليب الأحمر الأوغندي بسرعة للبحث عن الناجين وجثث القتلى. لقد ساعدوا الناس في توفير المأوى، وقدموا لهم المياه والدعم في مجالات الصحة والنظافة. وعملت أيضًا مع المجتمعات المحلية لفتح الممرات المائية وتعزيز ضفاف الأنهار لمنع الفيضانات في المستقبل.  

وفي شرق أوغندا، قام موظفو ومتطوعي جمعية الصليب الأحمر الأوغندي بتوزيع 1,500 شتلة من أشجار البلوط الحريري على المجتمعات المحلية في المناطق المعرضة للفيضانات والانهيارات الأرضية للحد من مخاطر الانهيارات الطينية والسيطرة على جريان المياه.

تهديد عالمي: الدول الجزرية صامدة في وجه المدّ

متطوعو الصليب الأحمر الفيجي يساعدون المجتمعات المحلية المتضررة من العواصف وارتفاع المد والجزر.

متطوعو الصليب الأحمر الفيجي يساعدون المجتمعات المحلية المتضررة من العواصف وارتفاع المد والجزر.

صورة: الصليب الأحمر الفيجي

سوف يلاحظ الأشخاص الذين يتجمعون حول الطاولة أن هناك جزءًا ناقصًا منها، وهذا عن قصد. يمثل هذا الجزء الناقص العديد من الكوارث المرتبطة بالمناخ التي لا تمثلها قطعة حطام محددة. فيجي وغيرها من الدول الجزرية الصغيرة النامية هي خير مثال في هذا السياق.

في حين أن هذه الجزر غير مُمثلة من خلال قطع مدمجة في الطاولة، إلا أنها عانت بشدة من الأحداث المناخية الشديدة مثل الأعاصير، والفيضانات، والحرارة الشديدة، وارتفاع منسوب مياه البحر. فيجي وغيرها من جزر المحيط الهادئ معرضة لتهديد وجودي، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من أزمة المناخ، فقد تختفي هذه الجزر تمامًا.

يعمل الصليب الأحمر والهلال الأحمر يوميًا لمساعدة المجتمعات على الحدّ من مخاطر الكوارث المناخية، والحفاظ على سلامة الناس وصحتهم. إن العمل الدولي المتضافر هو وحده القادر على كبح التهديدات الوجودية للمجتمعات التي تواجه أزمة المناخ.