الهلال الأحمر الفلسطيني يُدخِل الأطفال ذوي الإعاقة وأُسَرَهم إلى عالم التعليم عن بُعد

رندة العزير: في الوقت الذي انقطع فيه التواصل الفعلي المباشر بين الناس بسبب الحالة التي فرضتها جائحة كوفيد-19، استمرّت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في دعم ومساندة فئات ذوي الإعاقة عبر أدوات للتواصل المثمر مع أكثر من 60 مجموعة تعليم وتأهيل عن بُعد. وشرحت سهير بدارنة، مديرة التأهيل في الجمعية، أن المبادرة "لم تتضمن إنشاء منصّة إلكترونية خاصة بسبب الاغلاق المفاجئ، إنما لجأنا إلى استخدام مجموعات الواتساب، والمسنجر، وصفحات الفيسبوك للتواصل. وهناك بعض الأُسر التي خاطبناها عبر خطوط الهواتف النقّالة والثابتة لتعذّر وجود خطّ إنترنت أو أجهزة ذكية لديها".

استفاد من هذه المبادرة حتى اليوم 686 طفلاً وطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة اهتمّ 187 من المعلمين والأخصائيين وعاملي التأهيل بإعداد أنشطة خاصة لهم، وإعطاء أهاليهم تعليمات لتنفيذها في المنازل وإرسال تغذية إلى عاملي التأهيل والأخصائيين. وأوضحت بدارنة أن هذه المبادرة مكّنت برنامج التأهيل من العمل مع الأطفال وأسرهم في أربعة اتجاهات أساسية: أ)تزويد الأطفال والأهالي بالدروس والأنشطة التعليمية التأهيلية لإنجازها في المنزل من أجل تطوير قدرات وتنمية مهارات الأطفال في عدة مجالات؛ ب)توفير مساحة آمنة للأطفال وأسرِهم للتعبير عن طريق الإرشاد والدعم النفسي للتعامل مع المشاعر والمخاوف والأفكار التي تجول في داخلهم وتفريغها؛ ج)تلمّس احتياجات الأطفال وأسرِهم وتلبية ما أمكن منها؛ د)والتوعية بطرق الوقاية من الفيروس عبر منشورات صحيّة من إصدار جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أو غيرها من المؤسسات الأخرى".

تشارك في هذه المبادرة 10 فروع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني موّزعة جغرافياً على أريحا، وعنبتا، والخليل، وترقوميا، وطوباس، ونابلس، وبني نعيم، ورام الله، وخان يونس، ورفح. وتمّ التواصل حتى الآن مع 1048 عائلة قدّمت لها الجمعية أنشطة إدراكية وحركية وأخرى خاصة بالعناية الذاتية من أجل مساعدتهم على تدريب أطفالهم المنتَفِعين من هذه الأنشطة بعد إغلاق مدارس ومراكز التأهيل وتوقف التعليم الوجاهي. وقالت بدارنة: "تمكنّا من زيادة عدد الأهالي المنتفعين ووصلنا إلى نسبة 70% من الأطفال المستهدَفين. وكان انخراط الأهالي والأطفال الإيجابي وتجاوبهم مع فريق البرنامج العنصر الأساسي في النجاح. لم تكن مهمة سهلة في البداية لأن مفهوم التعليم عن بُعد لم يكن مألوفاً وكان يشعر الكثيرون بعدم جدواه".

بما أن التجربة كانت جديدة على الجميع، أبقت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الباب مفتوحاً لكل التعليقات والاقتراحات التي يرسلها الأهالي رغبة منهم في تحسين الأداء وتوصيل المعلومات بأنسب الأساليب لأطفالهم، وبينهم الصمّ. لذا بلورت فروع الجمعية أنشطة محددة تراوح عددها بين 18 و847 نشاطاً يومياً بحسب نسبة المشاركين وطبيعة مهمات مركز الفرع. وأضافت بدارنة: "من الأمور التي روّجنا لها التفاعل الاجتماعي مع أفراد الأسرة والمساهمة في المهمات المنزلية. كذلك تنمية قدرة الطفل على استخدام اللغة والتواصل، وتعديل السلوك، وتنمية العضلات الدقيقة والغليظة، وإكمال برنامج الروضة المرتكز على التدريب النُطْقي، وشرح المفاهيم، والقراءة والكتابة، وتعليم لغة الإشارة". وأوضحت أسمهان عصفور، منسّقة وحدة لغة الإشارة في الجمعية أنه "تمّ توفير الترجمة بلغة الإشارة لعدد من الطالبات الصمّ بحيث استطعنَ تعويض ما فاتهنّ واستكمال فترة تدريب التسويق الإلكتروني عبر الإنترنت. كما وضعت عضوات من فريق الصمّ خبرتهنّ في إنتاج 57 فيديو لرسوم متحركة توعوية عن فيروس كوفيد-19".

يتطلّب هذا المشروع تجهيز فريق من المتطوّعين والأخصائيين لتوجيه عائلات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وزيارتهم ضمن برنامج توعوي حسبما علّقت الأخصائية النفسية في الجمعية، سيرين أبو سماحه بالقول: "يُعتبر ذوو الاحتياجات الخاصة من الفئات الأكثر تهميشاً وتعرّضاً للوصم في العالم حتى في الظروف العادية. وما لم تتحرّك الحكومة والمؤسسات ذات العلاقة بسرعة لاحتوائهم ضمن استجابتها لتفشّي الفيروس، فسيتعرّضون بشدّة لخطر العدوى والموت. فهم أقلّ مناعة في مواجهة كوفيد-19، وينعكس ذلك آثاراً نفسية على عائلاتهم تظهر على شكل قلق مستمر قد يصل أحياناً إلى درجة الاكتئاب". وحذّرت أبو سماحه من تردّي الأوضاع النفسية لدى هذه الفئات من الأطفال الذين ظهرت عليهم الانعكاسات السلبية نتيجة الانقطاع عن مساحة الأمان التي كانوا يشعرون بها في المراكز التعليمية. هناك، كانوا يمارسون ما هو محبّب لديهم عبر التفاعل الاجتماعي والأنشطة اللامنهجية التي تساهم في وضع طاقتهم في المكان المناسب وإحساسهم بأنهم يملكون الحق في اللعب، والتعليم، والحياة مثل أي طفل آخر. وختمت أبو سماحه باقتراح تنسيق حملات كشف طبي لهؤلاء الأطفال وحثّ أكبر عدد ممكن من عائلاتهم على دخول عالم الديجيتال.

ومن بين هذه العائلات التي رحّبت بالتجربة أمّ كريم التي لديها طفلان ملتحقان بمدرسة الاتصال التام لتعليم الصمّ التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. "كانت نجاح زهران، معلّمة كريم، ترسل فيديوهات لمخارج الأصوات والكلمات وإشاراتها وصوراً لها، وأنا أستخدمها لتعليم ابني الأحرف والكلمات. هي تجربة مفيدة من عدة نواحٍ لطفليّ ولي أنا شخصياً. استطعنا استغلال وقت الفراغ في البيت للتعلّم واكتسبت أنا أيضاً مهارات جديدة لم أكن أعرفها".

تنوي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الاستفادة من تجربة التعليم عن بُعد مع ذوي الإعاقة طوال فترة كوفيد-19 وما بعدها. وقالت بدارنة:"نبحث مع وحدة تكنولوجيا المعلومات عن كيفية التطوير الأمثل لهذه التكنولوجيا من أجل مواصلة العمل مع الأطفال ذوي الإعاقة في ظل استمرار الجائحة أو أية ظروف مشابهة". ولكن الظروف الاقتصادية الصعبة للعائلات تبقى هي العائق الأكبر أمام قدرة الأهالي على توفير المتطلبات اللازمة لضمان التواصل والمشاركة الفعّالة من قِبَل الأطفال وعائلاتهم.