وحيداً في العزل مع معاناة كوفيد-19، المتطوّع في الهلال الأحمر المصري يروي قصته كاملةً

Algerian Red Crescent in Al-Oued State

الهلال الأحمر الجزائري في ولاية الواد

رندة العزير: أن تعيش أسبوعين كاملين وحدَك لا تفكّر إلا في وظائف جسمك الحيوية مُقَيّدَ الحركة داخل شقّة صغيرة في مدينة تعجّ بالناس والحياة والزحام، مسألة صعبة للغاية.

في حوارٍ إنساني تقصّى تفاصيل حكاية الإصابة بكوفيد-19، أخبرنا مصطفى رفعت ناجي، عضو مجلس إدارة ممثل الشباب في جمعية الهلال الأحمر المصري بفرع الدقهلية والمتطوّع في غرفة العمليات المركزية في مركز الجمعية العام بالقاهرة، كيف مرّت عليه ساعات تلك الأيام الأربع عشرة مليئة بالخوف والترقّب. "لازمت البيت لأنني أردّت عدم الاختلاط بأي شخص خشية نقل العدوى إليه. وقضيت وقتي ما بين الصحو والنوم تجتاحني موجات من الهواجس والخوف وأنا أتابع تطوّر الأعراض لديّ يوماً بيوم. هل زادت كُحّتي اليوم؟ هل ارتفعت حرارة جسمي؟ هل سأصحو لأجِدَ حرارتي قد تجاوزت 38 درجة مئوية؟ كنت أقيس درجة حرارتي ثلاث إلى أربع مرات يومياً. وكنت أتساءل غالباً إذا كان ما يظهرُ عليّ يُعتبر ضمن المعدل الطبيعي أم أن الأمور إلى ازدياد".

أمضى ناجي فترة حجره الصحيّ في القاهرة معزولاً عن أهله وزملائه لا يُعينه إلا فريق الدعم النفسي في جمعية الهلال الأحمر المصري. "لم أرغب بأن يقلق أهلي عليّ، فألغيت زيارتي الأسبوعية إلى منزلهم. كما امتنعت عن إفشاء الخبر بين زملائي في الجمعية باستثناء المسؤولين معنا. لم أكن أريد للزملاء الذين استمروا في القيام بمهماتهم في الميدان أن يترددوا لأن قائدهم أصيب بالمرض، خاصة فئة الأعمار الأصغر بينهم. إدارة الدعم النفسي في الجمعية هي التي ساعدتني على التماسك من خلال متابعاتها اليومية لوضعي واحتياجاتي. كنت أتلقّى مكالمة منهم كل يوم للاطمئنان عليّ. كانوا طوق النجاة بالنسبة لي لأن الحالة النفسية عنصر جوهري أثناء العزل. حتى عندما كنت أشعر "بالزهق" أحياناً من كثرة اتصالاتهم، لكنني كنت ممتناً لهم. لقد أنقذوني من الإحساس بالإحباط والقلق الزائد ورفعوا معنوياتي، ووفّروا لي بسرعة متطلبات الوقاية، مثل الكمامات. إنه إحساس "وحش" جداً، لا أتمنى لأحد أن يمرّ به".

حتى بعد الشفاء والعودة إلى العمل، ما زال ناجي يشعر بالخوف مع كل مهمة ميدانية. ويعتمد على صوته الداخلي لاستجماع الشجاعة، وبالطبع يلتزم بإجراءات الحماية وتعليمات السلامة. "روح الفريق والجماعة تقوّينا ونحن نعمل مع الناس. حياتي كلها متعلّقة بالهلال الأحمر وأعطيه من كل قلبي. مع مرور الوقت أصبحنا جميعاً أكثر حرصاً في سلوكياتنا وتصرفاتنا وتركنا خلفنا أي استهتار قد يضعنا في دائرة الخطر. اختلف الوضع الآن وصرت أخاف على نفسي وعلى الفريق معي. ونحن نعلم علم اليقين بأننا معرّضون للخطر جرّاء طبيعة عملنا حتى لو أتى الأمر بالصدفة. غير أن تقديم خدمة للناس المحتاجين، مهما كانت بسيطة، تُشعرنا بالرسالة الحقيقية التي نؤدّيها. فالمسألة ليست مجرد كرتونة مساعدات فقط أو أدوات تعقيم، إنما أيضاً إعطاء الناس حالة من الاطمئنان ينشرُها زيّ الهلال الأحمر المصري بمجرد تواجده في المكان".

كانت جمعية الهلال الأحمر المصري منذ بداية جائحة كورونا مهيّأة للسيناريوهات السيئة. ومن خلال غرفة العمليات المركزية التابعة لها، بدأت الجمعية في رصد وتتبّع حالات الإصابات الأولى، بما فيها البسيطة منها. كما ركّزت على عمليات التوعية والتعقيم، والتدخلات الإغاثية، وتقديم المُطهّرات والأدوات الشخصية، بالإضافة إلى توفير المواد الغذائية للمجتمعات الفقيرة داخل العاصمة وعلى امتداد جميع محافظات الدولة من دون استثناء. وقال ناجي إن "الهلال الأحمر يزور المستشفيات لدعم الطواقم الطبية وتقديم رسائل الشكر. واستطعت من خلال مسؤوليتي في مجلس إدارة فرع الدقهلية الاقتراب أكثر من احتياجات ومخاوف فئة الشباب المتطوّع. وكنت أنسّق ما بين الفِرق الميدانية والمتطوعين من الشباب وغرفة العمليات المركزية".

ليس لدى جمعية الهلال الأحمر المصري أي نقص في أعداد المتطوّعين أو الراغبين في التطوّع معها. ولكن ما تحتاجه الجمعية بالفعل هو تجهيز هذه الطاقات الشابّة بالمعدات والأجهزة الضرورية لأداء عملهم بالصورة الصحيحة والحصول على التدريبات اللازمة. وأوضح ناجي أن "الحاجة متزايدة الآن مع أزمة كورونا إلى تجهيز المستشفيات وإقامة مستشفيات ميدانية في العديد من الأماكن، مثل الفيوم، والإسماعيلية، والشرقية. لدينا حتى الآن عيادة متنقّلة واحدة، والوضع يتطلّب أكثر من ذلك. مهما توفّر لنا، فنحن بحاجة إلى المزيد، خاصة لتغطية احتياجات مجتمعات اللاجئين من الأفارقة، والسوريين، والجنسيات الأخرى. وربما نكون الجهة الوحيدة التي تقدّم لهم هذه الخدمات إلى جانب المنظمة الدولية للهجرة".