مجلة الصليب الأحمر والهلال الأحمر

Displaying 1 - 9 of 9
| الصفحة الأساسية

مجلّة الصليب الأحمر والهلال الأحمر

كانت مجلّة الصليب الأحمر والهلال الأحمر موقعاً للنشر ورواية القصص تديره الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر من 1986 إلى 2023. نشرت المجلة قصصاً مؤثرةعن الكوارث وتغير المناخ وحالات الطوارئ الصحية والنزاعات، كما رووها الناس حول العالم.

إقرؤوا المزيد
| مقال

قلب وعقل لحل مشاكل عالمية

نشأت رومي ميكوشينكوفا في بلدة صغيرة في جنوب غرب سلوفاكيا وهي تحلم باكتشاف أصل النجوم والكون. وتقول إن فضولها جعلها تهتم بمزاولة مهنة في مجال العلوم- وتحديداً في مجال الفيزياء الفلكية والفيزياء النظرية. واليوم، تعيش حلمها. إنها تدرس الفيزياء النظرية والفيزياء الفلكية في جامعة Roma Tre، حيث تبحث بشأن أحد أعظم أسرار الفيزياء الفلكية: الثقوب السوداء. وتنشأ الثقوب السوداء عندما تصبح النجوم في نهاية حياتها كثيفة لدرجة تنهار على نفسها وحتى الضوء لا يمكنه الهروب من جاذبيتها. ومع ذلك، يبقى الكثير لتعلمه. وتقول في هذا الصدد: “دراسة الثقوب السوداء ليست مشروعاً محدد الوقت لأننا نكتشف معلومات جديدة كل يوم. أعمل حالياً على محاكاة لمراقبة الثقب الأسود في سياق مسبار قياس الاستقطاب بالتصوير بالأشعة السينية (IXPE)، وهو القمر الصناعي الذي سيُطلق بحلول نهاية عام 2021“. “إعطاء غرض لوقت فراغي” إن الوقت والجهد المطلوبين من طالبة الفيزياء النظرية هائلان. ولكن حتى هذه المسألة ليست الأمر الوحيد الذي يبقي رومي مشغولة. وفيما كان شغفها بالعلم ينمو عندما كانت مراهقة، بدأت رومي رحلة أخرى بصفتها متطوعة في الصليب الأحمر السلوفاكي. وتشرح قائلةً: “كان العمل التطوعي مثيراً للاهتمام بالأساس لأنني أردت مساعدة الآخرين، وإعطاء غرض لوقت فراغي“. وفي هذه الأيام، يخصص وقت الفراغ في معظم الأحيان لمشروع جديد يلبي احتياجات الشباب من خلال مناقشة مواضيع غالباً ما لا تكون محط حديث، غير أنها تشكل تحديات اجتماعية وإنسانية رئيسية. وتقول رومي في هذا المجال: “تتمثل مواضيعنا الرئيسية في درء خطاب الكراهية، والضغط على الأقران، والتنمر السيبراني والمساواة بين الجنسين”، وتضيف أنه بسبب القيود المفروضة نتيجة كوفيد-19، معظم هذا العمل موجود اليوم على الإنترنت. قد تبدو دراسة الثقوب السوداء مثل سنوات ضوئية من العالم اليومي للشباب والتطوع. غير أنه بالنسبة إلى رومي هناك صلة واضحة. ومع كل ذلك، يمكن أن يكون الأسلوب العِلمي لطرح الأسئلة، والتحقق وحل المشاكل المعقدة أموراً مفيدة جداً في المجال البشري. وتشرح قائلةً: “إنها ميزة كبيرة عندما يدخل شخص ذو خلفية علمية دائرة العمل التطوعي بعقلية التعامل مع المشاكل حتى تُحلّ“. تحقيق أشياء عظيمة هذا المسار المزدوج للعلم والشواغل الإنسانية ليس جديداً بالنسبة لـ رومي. وقال ميلان هولوتا، مدير مدرسة روما الثانوية، إن تفضيلها المواد المتعلقة بالعلوم كان واضحاً منذ وقت مبكر، وكذلك رغبتها في جعل العالم من حولها مكاناً أفضل. وقال في إشارة إلى عملها بعد المدرسة مع الصليب الأحمر، حيث أصبحت أحد أكثر أعضائه نشاطاً: “كانت دروس العلوم الطبيعية (المواد) المفضلة لديها، وكانت طالبة استثنائية في مناهجها الدراسية”. غير أنها لم تفعل كل هذا بمفردها. فتتذكر أن دعم امرأتين- والدتها ومعلمة الفيزياء في المدرسة الثانوية- كان أساسياً في سعيها إلى مزاولة مهنة في مجال العلوم والبحوث. ويمكن أن يكون هذا النوع من الدعم أساسياً للشابات والفتيات المهتمات بالعلوم. فبالنسبة إلى كثيرات، تعيق هذا المسار مواقف ثقافية تبعد الفتيات عن المواضيع التي يهيمن عليها الذكور مثل الرياضيات والعلوم. ووفقاً لمعهد اليونسكو للإحصاء، هناك فجوة واضحة بين الجنسين في مجال العلوم، إذ لا تشكل النساء سوى 30 في المائة من الباحثين في هذا المجال في العالم. وكانت النسبة أقل حتى في صف رومي في الجامعة. وفي بداية دراستها الجامعية، لم تشكل النساء سوى ربع عدد الطلاب. وتضيف قائلة: “أعتقد أن السبب الرئيسي هو عدم تشجيع الفتيات على اختيار وظائف في مجال العلوم الطبيعية. أريد أن أدعو كل النساء والفتيات إلى بناء علاقات قوية مع بعضهن بعضاً، وإلى التوقف عن التقليل من شأن بعضهن بعضاً، وإلى مساعدة بعضهن بعضاً لأنني أعتقد أن هذه هي الطريقة التي نحقق بها أشياء عظيمة بالفعل“.

إقرؤوا المزيد
| مقال

رؤية العالم ومساعدة الآخرين، من خلال العلم

وترى ايفا تورو أن العلم ليس مجرد مهنة. فقد سمح لها شغفها بعلم الأحياء برؤية العالم بعيون مختلفة، وفهم البيئة والأشخاص المحيطين بها واحترامهم ورعايتهم. وبالنظر إلى أنها ولدت في عائلة من الأطباء، تتذكر وهي طفلة أنها كانت تشاهد جدها يساعد أسراً بصفته طبيباً ممارساً في مسقط رأسها في برشلونة، إسبانيا. وفي حين أصبح الطب تقليداً في أسرتها، اختارت أن تتعلم عن البشر وتفاعلهم مع العالم من منظور مختلفة. وتقول تورو التي استخدمت هذا النهج في الآونة الأخيرة في عملها كمندوبة للاستجابة لحالات الطوارئ لدى الصليب الأحمر الإسباني في موزمبيق وهندوراس في أعقاب العواصف المدمرة في 2019 و2020: “اعتقدت أنها ستكون فكرة جيدة لمحاولة مساعدة الناس من منظور بيولوجي“. وفي الفيضانات وحالات الدمار والاضطراب التي تسود بعد العواصف الكبرى، تنقلب النظم الإيكولوجية للأسر المعيشية والأحياء السكنية التي تحافظ على حياة الناس رأساً على عقب. وفجأة يصعب الحصول على الماء النقي. ولا يمكن الغسيل والذهاب إلى الحمام بالطريقة العادية. والناس يعانون من الإجهاد والجوع والحزن وقد يضطرون إلى البقاء في المنازل أو الملاجئ مع الكثير من الأشخاص الآخرين. إنها بيئة بيولوجية يمكن فيها أن تنمو الأمراض والبكتيريا وتنتشر بسهولة. وتتمثل وظيفة ايفا في استخدام معرفتها بالعالم الطبيعي والبشري لمساعدة الناس في هذه الحالات على فهم العلم واتخاذ خطوات للحفاظ على سلامتهم. وتقول في هذا الصدد: “يمكنني الذهاب إلى المجتمعات المحلية ولدي فرصة لشرح الأمور علمياً، مثل، “لماذا غسل اليدين مهم؟” و”لماذا من المهم معالجة المياه؟” وتُعد معرفتها مفيدة جداً عند مساعدة هذه المجتمعات المحلية على إيجاد أو استعادة إمكانية الحصول على الماء النقي وشبكات الصرف الصحي، فضلاً عن تشجيعها على اتخاذ أساليب للتأقلم تمنع انتشار الأمراض مثل الإسهال والكوليرا والأمراض المعدية الأخرى. مسار العلم والإنسانية فيما بدأت رغبة ايفا في مساعدة الآخرين في سن مبكرة، أصبح مسارها الخاص واضحاً بعد أن أنهت دراستها وأمضت بعض الوقت في السفر. وسرعان ما أدركت أنه بوسعها مساعدة الناس بعيداً عن مسقط رأسها في برشلونة، ولذلك اختارت أن تفعل شيئاً في مجال العمل الإنساني. وتمثلت إحدى الطرق للقيام بذلك في ربط رغبتها في مساعدة الآخرين بميولها العِلمية. وكانت مهماتها الدولية الأولى بصفتها مروِّجة للنظافة الصحية في موزمبيق بعد إعصار إيداي في عام 2019 وفي هندوراس بعد الإعصارين إيتا وإيوتا واللذين اجتاحا أمريكا الوسطى لمدة أسبوعين في ديسمبر 2020. وسببت هاتان العاصفتان فيضانات واسعة النطاق ألحقت أضراراً بأكثر من سبعة ملايين نسمة. وتقول ايفا عن عملها في هندوراس: “عمِلنا على الوصول إلى المجتمعات المحلية والملاجئ التي وجد فيها الناس ملاذاً بعد الإعصار، ليس من خلال أنشطة التوعية فحسب، بل أيضاً من خلال توزيع مجموعات النظافة الصحية في فترة الطمث“. فرصة لا تقدر بثمن لم تسمح الخلفية العلمية التي تتمتع بها ايفا بتبادل ما تعلمته بصفتها أخصائية في علم الأحياء فحسب، بل أيضاً بالتعلم من الآخرين وإقامة روابط حقيقية مع الناس من مختلف مناحي الحياة. “الاستماع إلى قصص حياة أشخاص من جميع أنحاء العالم… الذهاب إلى أي مكان في العالم، ليس كمسافر فحسب، بل أيضاً لمساعدة الآخرين… هذا أمر لا يقدر بثمن”.

إقرؤوا المزيد
| مقال

“إذا روى لي أحد من الناس هذه القصة، فلن أصدقها”

على مدار أشهر عدّة من عام 2018، عُرف القنطار في الأخبار المتداولة بـ “رجل المطار”، وذلك بعد أن تقطعت به السبل في مطار كوالالمبور لمدة 7 أشهر. وقد بدأت قصته في عام 2011 عندما اندلع النزاع في سورية، وكان يعيش حينها في الإمارات العربية المتحدة. ولم تكن له رغبة في العودة إلى بلده – بسبب الحرب الأهلية القائمة واحتمال تجنيده في صفوف الجيش – فبقي في الإمارات العربية المتحدة إلى أن انتهت صلاحية تأشيرته. وانتهى به المطاف في ماليزيا التي رُحّل إليها، فسعى إلى الحصول على حق اللجوء في العديد من البلدان، بما فيها كندا. وفي هذه الأثناء، ظل ينتظر في المطار. وطال انتظاره. وكان ينام على كراسي المطار وفي زاوية صغيرة تحت أحد السلالم المتحركة. وأقام خلال هذه الفترة صداقات مع عمال النظافة الذين كانوا يقدمون له الطعام والقهوة (توجد المقاهي في قسم من أقسام المطار التي لا يمكنه الدخول إليها). وكانت حالة الملل والإعلانات المستمرة عن هبوط الطائرات وإقلاعها رفيقاً دائماً لحسن في حين كانت أيامه تمر ببطء. وقد فاتته أحداث عائلية هامة، مثل حفل زفاف شقيقه الذي تابعه عبر خدمة سكايب.. وفي ظل ما كان يشعر به من يأس وإحباط، لجأ إلى وسائل الإعلام الاجتماعية، وسرعان ما أصبح ظاهرة في شبكة الإنترنت والإعلام. وأشارت إليه التقارير الإخبارية واعتبرته نسخة واقعية من شخصية توم هانكس في فيلم “المحطة”. وأوضح حسن قائلاً: “الأشياء الصغيرة – الاستحمام، وغسل الملابس، وتناول الأدوية – هي أشياء تفعلها دائماً ولكنها تصبح فجأة مستحيلة”. ويضيف قائلاً: “أتذكر اليوم 122. لقد ساورني حينها شعور غريب. ولم أتمكن من تفسيره حتى رأيت شخصاً يفتح باباً يفضي إلى الخارج. كانت هذه هي المرة الأولى التي أشم فيها رائحة الهواء النقي منذ 120 يومًا”. وأخيرًا، كللت الجهود التي بذلتها مجموعة خاصة من المواطنين الكنديين للحصول على طلب إقامة لحسن بالنجاح في نوفمبر 2018، واستقل إثرها طائرة حملته إلى كولومبيا البريطانية. وكانت كندا أول بلد في العالم يعرض برنامجاً للرعاية الخاصة يسمح لخمسة كنديين أو مقيمين دائمين في كندا بتقديم الرعاية الجماعية للاجئين. ويقول حسن في هذا الصدد: “يشارك الأفراد العاديون مشاركة مباشرة في إنقاذ الأرواح”. ويضيف قائلاً: “إذا لم تكن هذه هي البطولة، فما هي البطولة إذن؟”. من النسيان إلى الإدماج كانت تجربة حسن في المطار مجرد مثال واحد على المتاهة القانونية الذي كثيراً ما يجد اللاجئون أنفسهم فيها، فيصبحون عالقين على الحدود، وغير قادرين على المضي قدماً أو على الرجوع إلى الوراء أثناء سعيهم إلى تقديم طلبات اللجوء وترقب بعض بوادر الأمل. واليوم، تعرض قصة حسن مثالاً لما يمكن أن يحدث حينما يُمنح اللاجئون الفرصة التي تتيح لهم بناء حياتهم من جديد ورد الجميل لمجتمعاتهم المحلية الجديدة. وفي حالة حسن، تجسد جزء من هذا العرفان في ارتداء السترة الحمراء المعروفة التي يلبسها متطوعو الصليب الأحمر الكندي وموظفوه. واسترشاداً بالعمل الذي تضطلع به الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في سورية وفي العديد من مناطق النزاعات والطوارئ الأخرى عبر العالم، قرر حسن مساعدة الآخرين في الوقت الذي كان فيه البلد الذي تبنّاه يعمل على التصدي لجائحة كوفيد-19 التي ما فتئت تتفاقم. ويقول في هذا الشأن “كان العمل مع الصليب الأحمر حلماً، وها هو يتحقق الآن”. ويردف قائلاً: “إنها طريقتي في رد الجميل للمجتمع الذي قبلني ومنحني فرصة العيش بين ظهرانيه. وهي الطريقة التي أبين بها للكنديين أنهم لم يكونوا مخطئين حينما أعطوني هذه الفرصة”. “خائف من خطر النسيان” ومع ذلك، فالحياة ليست سهلة دائماً بالنسبة للاجئ الذي يقيم في الجانب الآخر من العالم بعيداً عن عائلته. ويوضح حسن ذلك قائلاً: “إنه قدري وقدر كل لاجئ كُتب له أن يعيش بين عالمين”. والأشياء الصغيرة – رائحة القهوة أو المطر المنعش الذي يسقط في شارع شديد الحرارة – هي الأشياء التي تذكره بأهله في سوريا التي تمتلك فيها عائلته مزرعة صغيرة. ويقول حسن، وهو بصدد تحضير قهوة على الطريقة السورية في شقته الواقعة في مدينة فانكوفر: “أخشى أن أتعرض لخطر النسيان”. ويضيف قائلاً: “لم أر أمي وإخوتي منذ 12 عاماً. ولا أريد أن أفقد الاتصال بهم”. “ماذا يعني أن تكون سورياً؟” تتمثل مهمة حسن الآن في مساعدة عائلته واللاجئين الآخرين في الحصول على شعور مماثل بالأمان. وهو يعمل مع مجموعة تساعد في تقديم الرعاية للاجئين الآخرين ويواصل نشر آرائه على وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي بمحنة اللاجئين. وقد أصدر في هذا الشأن كتاباً بعنوان “رجل في المطار” (Man @ The Airport). يقول: “أرغب أن يفهم العالم الغربي مسألة [اللاجئين السوريين] بشكل أعمق”. ويضيف قائلاً: “وذلك لتقريب الفجوة القائمة بين ثقافتينا. وماذا يعني أن تكون سورياً؟ هل يعني أن تكون عاجزا؟ أم هل يعني أن تكون بلا صوت؟”. ولكن حسن متفائل. ويقول إن من المفارقات أن القيود المفروضة بسبب جائحة كوفيد-19 قد ساعدت الكثير من الناس على فهم محنة اللاجئين فهماً أفضل. ويوضح ذلك قائلاً: “أثناء انتشار الجائحة وما نجم عنها من إغلاق لجميع الحدود، يمكن أن يبدأ الناس في فهم ما يعاني منه اللاجئون بشكل دائم، حينما تصبح جميع المطارات مناطق ممنوعة، وتصبح جميع جوازات سفرنا، بغض النظر عن لونها، متساوية من حيث انعدام الفائدة. ولا يزال الوضع على ما هو عليه بالنسبة لمعظم اللاجئين في العالم اليوم”. -- تم إنتاج هذه القصة ونشرها في الأصل من قبل مجلّة الصليب الأحمر والهلال الأحمر. للتعرف على المجلة وقراءة المزيد من القصص مثل هذه، انقروا هنا.

إقرؤوا المزيد
| مقال

ممثل مسرحي يعثر على منصة جديدة بعد تعرض مسرحه للدمار

اعتبر أسامة على مدى سنوات عديدة المسرح بيته الثاني، فهو المكان الذي كان بمقدوره أن يجسد فيه شخصيات مختلفة، وأن يتبادل فيه الأشعار والحكم، وأن يرى فيه الضحكات والبسمات وهي تصدر من وجوه الناس في مجتمعه المحلي. ويقول أسامة، وهو رجل اجتماعي مسترسل في الكلام أتاح له شغفه بالتمثيل ملاذاً آمنا جنّبه ويلات الحرب وآلامها: “أشعر بالارتياح كلما صعدت على خشبة المسرح وشاهدت ابتسامات الأطفال”. ولكن قدرة أسامة على تحقيق هذا الحلم تعرضت لهزة شديدة عندما تعرض مسرحه المحبوب للقصف واستحال إلى كومة من الأنقاض. “لقد تحطمت أحلامي”، هذا ما يقوله أسامة، وهو يقف على أنقاض ما كان ذات يوم مسرحاً رحباً وبهيجاً، وقادراً على استقبال مئات الأشخاص. ويضيف قائلاً، وهو ينظر إلى حقل مغطى بركام من الطوب والحجر: “كانت أحلامي هنا في هذا المكان بالذات”. ويمضي متحدثاً فيقول:”هنا، اعتدنا أن نرسم البسمة على وجوه الناس… قبل أن تندلع الحرب”. وتتمثل معظم الأعمال التي قدمتها شركته في مسرحيات كوميدية ودرامية أدخلت السعادة على الناس وأثارت ضحكهم وحملت في طياتها أيضاً رسائل هادفة. دور إنساني جديد شرع أسامة، بعد تعرض المسرح للقصف، ومع تراكم ما أصابه من ألم ويأس بسبب الحرب، في البحث عن دور جديد: دور يحمل إليه البهجة مرة أخرى ويساعده على الإحساس مجدداً بأن له هدفاً. وقد قادته رحلته إلى أبواب الهلال الأحمر اليمني في الحديدة. ويستخدم أسامة الآن موهبته في مجال الكوميديا والدراما لتوعية الناس من خلال عرض مشاهد مسرحية تفاعلية. وتنقل العروض أيضاً رسائل هامة بشأن سبل الحفاظ على الصحة والسلامة في سياق دمّرت فيه الحرب الكثير من النظم الأساسية المتعلقة بالغذاء والمياه والصحة والصرف الصحي والتي تحفظ أمن المجتمعات المحلية وعافيتها. ويقول أسامة: “أتذكر المرة الأولى التي شاركت فيها في نشاط لزيادة الوعي مع جمعية الهلال الأحمر اليمني”. ويردف قائلاً: ” كنت أقدم النصائح للأطفال بشأن غسل اليدين، ولكن بطريقة مضحكة. أتذكر ضحكاتهم ومحاولاتي لتصحيح بعض أخطائي”. ويمضي قائلاً:”في إحدى المرات، كنت أقدم عرضاً كوميدياً لتعليم الطرق الصحيحة لغسل اليدين بطريقة كوميدية، ولكنني نسيت إحدى الطرق الهامة لفرك الأصابع. فنهض أحد الأطفال من الجمهور وضربني على رأسي بأسلوب كوميدي وقال، “لقد نسي الفنان أن يخبرنا بهذه الخطوة”. وبدأ في شرحها وكأنه عضو من أعضاء فرقة مسرحية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها أنني أقدم مساعدة حقيقية للبسطاء من الناس في ظل تحديات الحرب”. واسترشاداً بالعمل الذي يضطلع به الهلال الأحمر اليمني في الحديدة، لا يحصر أسامة دوره في المشاركة في برامج التوعية التي ينفذها الهلال الأحمر فحسب، بل أصبح أيضاً متطوعاً فعالاً في تقديم الإسعافات الأولية وتوزيع الغذاء والاستجابة للطوارئ، بل وحتى في نقل الجرحى والجثث. وإلى جانب هذا كله، يضطلع هذا الأب والزوج النشط بوظائف مختلفة، مثل رعاية الأشجار في جميع أنحاء المدينة، لإعالة أسرته. المضي بعيداً في أداء الدور يتذكر أسامة ظرفاً دفعه إلى تعزيز دوره كمتطوع، ألا وهو تفشي حمى الضنك في الحديدة، وتسببها في تفاقم الأوضاع البائسة أصلاً في هذه المحافظة . وفي حين يفتقر 20 مليون يمني إلى الرعاية الصحية الأساسية، فقد تعرضت نصف المرافق الصحية في البلد إما لأضرار جزئية أو دمرت بالكامل بسبب الحرب، مما أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة بشكل كبير. ويقول أسامة في هذا الصدد: “وصل وباء حمى الضنك إلى منزلنا الذي أعيش فيه مع 16 فرداً من عائلتي، منهم أربعة أطفال. وقد كان من الصعب الحصول على الرعاية الصحية بل وحتى شراء الأدوية بسبب الوضع الاقتصادي. وحملت أخي راكان البالغ من العمر ثماني سنوات إلى المركز الصحي التابع لجمعية الهلال الأحمر اليمني، على أمل أن يتلقى المساعدة اللازمة هناك. وحصل على العلاج في هذا المركز حتى تأكد الموظفون من أنه قد تعافى وأصبح في مأمن من الخطر”. ويضيف قائلاً: “لم تُوفّر هذ المساعدة بسبب عملي كمتطوع في الهلال الأحمر – بل هي متاحة لجميع أفراد المجتمع حيث يقدم المركز خدمات الرعاية الطبية للجميع، ويبلغ عدد المستفيدين منها أكثر من 1700 شخص”. ويمضي قائلاً: “كانت اللحظة التي وصلت فيها إلى المركز، وأنا أحمل أخي بين ذراعي، شبيهة بالحلم. وقد لجأت إليه كشخص محتاج للمساعدة واستقبلني فريق يقدم هذه المساعدة للجميع. وأدركت بعد تعافي أخي أن العمل مع الهلال الأحمر يمنحني أيضا فرصة لتقديم شيء مقابل ورد الجميل”. وفي غضون ذلك، يمكن أيضاً لهذا المتطوع المجتمعي والممثل السابق أن ينمي الشغف المسرحي الذي ظل دائماً بداخله، وليس بعيداً عن السطح في جميع الأحوال. ويقول أسامة مبتسما: “حتى وإن لم أتمكن من التمثيل في المسرح، فإنه يمكنني القيام بذلك في جمعية الهلال الأحمر اليمني كمتطوع أمام الأطفال”. ويستطرد قائلاً: “يجعلني ذلك سعيداً وفخوراً”. يشكل العمل مع الهلال الأحمر اليمني أيضاً فرصة تتيح لأسامة تقديم شيء ما في المقابل، ولرد الجميل بعد تعرض أخيه الأصغر للإصابة بحمى الضنك وإنقاذ حياته بفضل الرعاية التي وفرها له مركز صحي يديره الهلال الأحمر اليمني. -- تم إنتاج هذه القصة ونشرها في الأصل من قبل مجلّة الصليب الأحمر والهلال الأحمر. للتعرف على المجلة وقراءة المزيد من القصص مثل هذه، انقروا هنا.

إقرؤوا المزيد
| مقال

حلم هدى: بناء حياة جديدة في تركيا من خلال الطعام

ظل الطعام يمثل جزءا أساسياً من حياة هدى الفاضل. وتدور بعض أسعد ذكريات طفولتها حول تحضير أطباق مثل المكدوس (مخلل أو زيت مُعالج، وباذنجان محشي) مع والدتها في بلدتها الواقعة في ضواحي دمشق. وتتذكر قائلة: “كنا نجلس حول أمي وهي تعدّ هذه الأكلة”. وتضيف مشيرة إلى الملوخية، وهي نبات ورقي يزرع في المنطقة ويطبخ، مثل السبانخ، مع المرق أو مع لحم الضأن والأرز: “كنا نفعل الشيء نفسه حينما تقوم أمي بإعداد الملوخية”. وتمضي قائلة: “كانت هذه أوقاتاً سعيدة ولقاءات ممتعة مع أمي وأخواتي”. واندلعت الحرب بعد ذلك وطُويت صفحة الأيام السعيدة. لقد فقد زوج “هدى” وظيفته وعانت الأسرة من مصاعب هائلة. وأصبحت حينها المهارات التي اكتسبتها “هدى” في مجال الطبخ مفيدة. وتقول في هذا الصدد: “لقد حضّرت طبق الكبة (كروكيت محشوة بلحم الضأن أو الدجاج) وأعددت البقدونس المقطّع والكوسى المحشي وورق العنب”. وتردف قائلة: “بالنسبة لأولئك الذين يحتفلون بولادة صبي، كنت أّحضّر لهم صرار ملبّس. وكنت أصنع الفطائر”. المكون الرئيسي حينما تقوم “هدى” بطهي طبقي الملوخية أو الأوزي (معجنات محشوة بالبازلاء والمكسرات المسلوقة والخضروات واللحوم والأرز)، فإن عملها يحمل اليوم معنى مختلفاً تماماً. وتعيش “هدى” الآن في تركيا، وهي البلد الذي استقبلها بعد أن فرت هي وأسرتها من سورية، وقد قدمت إليه مرعوبة ومرهقة بعد سنوات سادت فيها عمليات القصف والاختطاف العشوائيين وانعدمت فيها الفرص وسُدّت فيها آفاق المستقبل أمام أطفالها. وفي محل الإقامة الجديد في مدينة قهرمان مرعش الواقعة في وسط جنوب تركيا، أصبحت مهارات “هدى” في مجال الطبخ هي العنصر الرئيسي في سعيها لبدء حياة جديدة. ولا يتاح لها في هذه المدينة فرصة الحصول على دخل صغير وعمل مُجد فحسب، بل تتاح لها فيها أيضاً سبل التواصل مع الناس في مجتمعها المحلي الجديد. وقد بدأت “هدى” مغامرتها الجديدة في مجال الطبخ حينما التحقت بدورة لتعلم الطبخ التركي التقليدي في مركز مجتمعي يديره الهلال الأحمر التركي، ويُدعم جزئياً بتمويل من الاتحاد الأوروبي، ويعمل في إطار شراكة مع الاتحاد الدولي للصليب الأحمر وجمعيات الهلال الأحمر (الاتحاد الدولي). ويوجد في تركيا 16 مركزاً من هذا القبيل، وهي مفتوحة للاجئين السوريين ولأفراد المجتمعات المحلية التركية. وتساعد هذه المراكز في ربط الأشخاص بأحبائهم المفقودين، وتوفر أماكن ملائمة للأطفال، وتقدم مجموعة من الخدمات بدءاً من التدريب المهني إلى تنمية الأعمال التجارية، والدعم النفسي والاجتماعي، والإحالات الصحية، بالإضافة إلى تقديم خدمات أخرى كثيرة. وتقول “هدى”: “سجّلت نفسي في دورة طبخ، ودورة رياضة، ودورة لتعلم الزراعة”. وتضيف قائلة: “زرعنا فلفلاً وبندورة. وكانت التجربة رائعة للغاية. ولقد استمتعت بكل الدورات، ولكنني وجدت متعة أكبر في دورة الطبخ”. تبادل الوصفات وإقامة الصداقات تستطيع “هدى” الآن كسب عيشها كما كانت تفعل قبل الحرب، وذلك بتحضير طبقي الأوزي والملوخية على الطريقة التركية. وتقول في هذا الشأن: “كان معنا نساء تركيات وسوريات. تعلمت التركيات منا طريقة الطبخ السوري وتعلمنا منهن أسلوب الطبخ التركي”. وتمضي قائلة: “تعلمت كيفية طهي طبق المانتي (فطائر محشية تركية تقليدية) والطرحنة [حساء تركي حار]. وعرفت أيضاً أننا نشترك في العديد من الأشياء مع الأتراك”. ولدى “هدى” حالياً قائمة صغيرة ولكنها متزايدة من الزبائن الذين يستخدمون تطبيقات الفيسبوك والإنستغرام والواتساب لتقديم الطلبات التي يأتون بعد ذلك لاستلامها ا أو ينتظرون قدوم الطاهية لتسلمها لهم بنفسها. وتبيع “هدى” أيضا أطباقها في مناسبات صغيرة تسمى الكرمس. وتقول “هدى” في هذا الصدد: “لقد عاد علىّ هذا النشاط بفائدة جمة. ووجهني نحو الطريق الصحيح”. ومع ذلك، فليس من السهل دائماً الاندماج في بلد له لغة مختلفة وثقافة أخرى. وتفيد فاطمة بياز، التي تعمل كمترجمة فورية في المركز المجتمعي التابع للهلال الأحمر التركي في مدينة قهرمان مرعش، بأن تطور مهارات الطهي لدى “هدى” سيساعدها هي وأسرتها في إيجاد موقع لها في مجتمعها المحلي التركي الجديد. وتقول السيدة “بياز” التي عملت إلى حد ما كمرشدة شخصية لهدى: “كانت “هدى” مفعمة بالسعادة والتفاؤل حينما قدمت إلى المركز المجتمعي، ولكنها لا تزال بحاجة إلى شيء من الدعم”. وتضيف قائلة: ” لقد تزايدت الآن ثقتها بنفسها ومهاراتها الاجتماعية. ووجدت مجتمعاً محلياً يستوعبها وبدأت في كسب دخل يعود بالنفع عليها”. وبموازاة ذلك، فإن لهدى بالفعل تفكيراً بعيد المدى. وتقول في هذا الصدد: “عندي حلم؛ أحلم بفتح مطعم صغير”. وتضيف قائلة: “مطعم يقدم جميع أنواع الأطباق: تركية أو سورية أو من أي مكان آخر. وآمل أن أتمكن من فتح هذا المطعم، حيث يمكن للأشخاص من سورية وتركيا وأماكن أخرى أن يجتمعوا سوياً ويعززوا الروابط القائمة فيما بينهم”. -- تم إنتاج هذه القصة ونشرها في الأصل من قبل مجلّة الصليب الأحمر والهلال الأحمر. للتعرف على المجلة وقراءة المزيد من القصص مثل هذه، انقروا هنا. التقينا مرة أخرى مع هدى في عام 2023 بعد زلزال 6 فبراير المدمر الذي أثر على مئات الآلاف من الأشخاص في تركيا وسوريا. يمكنكم قراءة هذه القصة هنا.

إقرؤوا المزيد
| مقال

من الماعز إلى متذوقي الأطعمة

قضت مالمارني تومي توندي معظم طفولتها في المطبخ بجانب جدتها، وتعلمت فن الطبخ المحلي واطلعت على المكونات التي يعرف السكان القاطنون في هذا الجزء الذي تعيش فيه من شمال شرق هنغاريا كيف يعثرون عليها في بيئاتها الطبيعية، أو كيف يزرعونها في الأرض الخصبة التي تميز منطقتهم. وقد كان جميع الناس يملكون في ذلك الوقت حديقة وبعض الأغنام وقليلاً من رؤوس الماعز. ولكن الموجات المتتالية من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية غيرت كل ذلك وأصبح الكثير من الناس عاطلين عن العمل وبعيدين عن خدمة الأرض. وهُجرت العديد من الطرق القديمة لتحضير الأطعمة الشهية من النباتات والحيوانات المحلية في ظل عالم أصبحت فيه الأغذية الرئيسية التي يمكن لهم الحصول عليها تتمثل في السلع الصناعية التي تنتج على نطاق واسع. ولا غرابة في أن هذه المرأة المفعمة بالنشاط والحيوية – وهي عنصر فعال في خدمة قضايا الخير في مجتمعها المحلي – لم يدُر قطّ في خُلدها أنها ستساهم في نهاية المطاف، بوصفها خبيرة في صناعة الأجبان، في إحياء بعض المأكولات التقليدية التي كانت منتشرة في منطقتها. وتقول توندي: ” أحببت الجبن على الدوام”. وتضيف قائلة: “لكنني لم أحلم يوماً بصنعه”. ومع ذلك، فالسيدة توندي مرشدة اجتماعية وليست طاهية. وقد عُرفت، في إطار عملها في الصليب الأحمر، بتنظيم حملات التبرع بالدم وغيرها من المبادرات الرامية إلى مساعدة الأشخاص الأكثر تضرراً من التغيرات التي طرأت على الاقتصاد المحلي. إعداد نهج جديد غير أن الصليب الأحمر الهنغاري قد شرع بعد ذلك في إعداد خطة ستؤدي إلى تغيير مسار حياة توندي، وتساهم أيضاً في الوقت ذاته في تغيير حياة الكثير من الأشخاص القاطنين في المنطقة والذين مروا بفترات عصيبة. وتمحورت الفكرة حول إنشاء مؤسسة اجتماعية مستدامة تدرّ دخلاً كافياً يتيح للمهمشين (من ذوي الإعاقات العقلية أو البدنية، أو الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية، أو أفراد الأقليات الإثنية) فرصة لتعلم مهارات جديدة وكسب دخل ثابت والعثور على مكان ينتسبون إليه. وكان المنتج الذي استقر عليه رأي الصليب الأحمر الهنغاري هو جبن الماعز الذي سيُنتج في مصنع صغير يحصل على الحليب من مزرعة صغيرة وقريبة لتربية الماعز. وبدت هذه الفكرة في البداية، بالنسبة لبعض سكان المنطقة، فكرة راديكالية للغاية. وأوضحت توندي قائلة: “هذه أول مزرعة ماعز هنا في ميزوكسو“. وتضيف قائلة: “لقد تفاجأ الناس هنا، بل اندهشوا أكثر لأن الصليب الأحمر يقوم بشيء كهذا. فالصليب الأحمر معروف هنا أساساً بحملات التبرع بالدم”. وانطلق مصنع الجبن والمزرعة في العمل بتمويل من الحكومة الهنغارية والاتحاد الأوروبي والصليب الأحمر الهنغاري، وبعد الجهد الذي بذله موظفو الصليب الأحمر، من الفرع المحلي إلى بودابست، على مدى أيام طويلة، أطلقت رسمياً العلامة التجارية الجديدة للجبن في أبريل 2019. وقد أتت الفكرة من موظفي الصليب الأحمر الذين أرادوا استكشاف نُهج جديدة للعمل الإنساني الذي تستحدث في إطاره مؤسسة من المؤسسات الاجتماعية طريقة مستدامة لمساعدة السكان المحرومين القاطنين في المنطقة على إيجاد سبل لكسب الرزق على المدى الطويل عوض الاكتفاء بتقديم المواد الغذائية أو أنواع أخرى من الهبات. وفي الوقت نفسه، سيُتيح نموذج الأعمال التجارية الجديد هذا لمستهلكي الأطعمة من ذوي الوعي الاجتماعي طريقة لربط المأكولات الذي يحبونها بالأشياء التي يهتمون بها والتي تتمثل في المحافظة على التقاليد الغذائية المحلية، والاستدامة البيئية، وأعمال الخير والتضامن، وأخيراً وليس آخراً، الأطعمة الشهية والصحية المستلذة (تصنع جميع أجبان المزرعة من مواد خالية من المواد الحافظة والنكهات الاصطناعية). وفي نهاية المطاف، لم تحظ مزرعة الماعز بالقبول فحسب، بل انطلقت في العمل أيضاً. ووجدت علامة الصليب الأحمر التجارية لجبن “Kis-Hortobágy Major“، التي أُطلقت في أبريل 2019، مكانها بالفعل على الرفوف في الأسواق الواقعة في بلدة ميزوكسو وانتهاءً بأسواق بودابست. احتراف مهنة صناعة الجبن يقول نوربي، وهو أحد عمال المزرعة الذي يتراوح نطاق مهامه اليومية من تغذية الدجاج إلى حلب الماعز أو تعهد الحديقة: “لم أعمل قبل اليوم في مزرعة من المزارع، ولكنني أحب هذا العمل”. وتفيد إحدى العاملات في مصنع الجبن بأنها اكتسبت أيضاً مجموعة متنوعة من المهارات الجديدة. وتقول في هذا الشأن: “لقد تعلمت طرق إنتاج الجبن، ولم أكن أعرف شيئاً عن ذلك من قبل”. وبالإضافة إلى ما تقوم به مؤسسة “Kis-Hortobágy Major” من توفير للوظائف لأشخاص هم في أمس الحاجة إليها، فهي تؤدي دورها في إطار حركة متنامية تحتفي بالمنتجات الحرفية المصنعة محلياً باعتبارها جزءاً رئيسياً من عملية تسعى إلى إيجاد حلول لطائفة متنوعة من التحديات الاجتماعية والبيئية. ولكن الأمر أكبر من ذلك بالنسبة للعديد من العمال. ويقول أحد عمال المزرعة: “بالنسبة لي، لا تمثل المزرعة مجرد مكان عمل، بل هي أشبه ما تكون بالوسط العائلي”. وتصدر نفحات هذه الروح العائلية خلال فترة تناول الوجبات التي يجلس خلالها أعضاء الفريق سوياً لتقاسم ثمار جهدهم. ويشكل استخدام جبن ماعز المزرعة في تحضير الوجبات أمراً طبيعياً حيث يستخدم هذا الجبن في إعداد مجموعة واسعة من الأطباق الإقليمية، بدءاً من السلطات وانتهاءً بالمعجنات وأطباق اللحوم. ولكن مواهب توندي لا تشكل لوحدها سبب النجاح الذي حققته هذه المؤسسة الاجتماعية، بل إن حنانها الطبيعي وخبرتها كمرشدة اجتماعية هما اللذان جعلا من هذه المؤسسة مكان عمل متميز. ويقول أحد عمال مصنع الجبن: “لا أعتبرها رئيستي”. ويردف قائلاً: “بالأحرى، فأنا أرى فيها صديقة. ويسرني جداً العمل معها. فهي تنصت إلي وتساعدني في جميع مناحي الحياة”. الوصفة: كعكة جبن بجبن الماعز والتوت الأزرق -- تم إنتاج هذه القصة ونشرها في الأصل من قبل مجلّة الصليب الأحمر والهلال الأحمر. للتعرف على المجلة وقراءة المزيد من القصص مثل هذه، انقروا هنا.

إقرؤوا المزيد
| مقال

راحة بعد العاصفة

وُلدت لوفلي ريكلي في قرية صيادين صغيرة تقع في جزيرة أباكو التابعة لجزر الباهاما، وترعرعت في مطبخ يتزود من البحر مباشرة. وتتذكر قائلة: “نشأت في فوكس تاون، وكنا نطلّ على الماء مباشرة”. وتضيف قائلة: “الأمواج تدفعك إلى النوم وتوقظك في الصباح”. وتتذكر قائلة: “نشأنا أساساً على تناول الأغذية البحرية”. وتردف قائلة: “كنا نتناول أصنافاً أخرى من الطعام، ولكن الأغذية البحرية تمثل المأكولات التي أحببناها بالفعل. كانت أمي طباخة ماهرة. لقد شاهدت ورأيت كل ما كانت تُعدّه وتعلمت منها الكثير”. ولذلك فلا غرابة أن تدير لوفلي، بعد مرور سنوات عديدة، مطعماً صغيراً يُعرف بتقديم أطعمة جزر البهاما التقليدية الشهية والممتعة بأسعار معقولة، وهي الأغذية البحرية وأطباق الدجاج وشطائر البورغر التي تقدم دائماً مع لمسة جديدة وخاصة ومبتكرة. وأصبح المطعم، الذي أطلق عليه بجدارة اسم “لذائد لوفلي” (Lovely’s Delight)، مركزاً مجتمعياً هاماً خلال الأشهر التي أعقبت إعصار دوريان الذي ضرب العام الماضي جزيرة أباكو التي تقيم فيها، وفقد فيه الكثير من سكان هذه الجزير كل ما يملكون من دور ومتاع. وفقد فيه أيضاً العديد منهم أحباءهم. لحظات مرعبة “لقد كانت لحظات مرعبة”، هذا ما تقوله لوفلي، التي أجليت من أباكو مع زوجها قبل يوم واحد فقط من هبوب العاصفة بسبب حالته الصحية، وهي تصف الوضع. وتقول أيضاً: “اضطررت إلى مغادرة الجزيرة، وترك أبنائي وابن حفيدي”. وتضيف قائلة: “كان الوضع مرعباً حيث لم يكن من الممكن إجراء أي اتصال للاطمئنان على كل شخص منهم إلا بعد مرور أيام قليلة على انتهاء الإعصار”. وتردف قائلة: “بعد مرور حوالي أسبوع من الإعصار، علمت أنني فقدت منزلي وكل محتوياته، وفقدنا مركباتنا وكل شيء كان لدينا”. وكادت لوفلي أن تفقد زوجها الذي أصيب بسكتة دماغية عشية وقوع العاصفة. وكادت أن تفقد مطعمها، وهو بناية مركبة محلية محبوبة كانت تمثل أيضاً القاعدة الأساسية للالتزام الذي تعهدت فيه لوفلي منذ فترة طويلة بتقديم وجبات للأطفال المحليين المحتاجين. وتتذكر لوفلي ذلك فتقول: “لقد لحقت بالمطعم أضرارا جسيمة”. شطائر بورغر الهريكان في نهاية المطاف، ساعد المطعم لوفلي وزوجها على تجاوز محنتهما – وأصبح منزلهما الجديد بعد عمليات إصلاح أتاحها الصليب الأحمر الأمريكي والمساحة السكنية التي أضافتها منظمة “CORE” (منظمة جهود الإغاثة المنظمة مجتمعياً) إلى المبنى الصغير. وبالنظر إلى أن مشروع لذائذ لوفلي كان من أوائل المشاريع التجارية التي أعيد فتحها، فقد وفّر للناس مكاناً يجتمعون فيه بعد انتهاء العاصفة لتستريح فيه عقولهم ويذهب جوعهم. وتفيد لوفلي قائلة: “نستطيع النهوض والسعي ومدّ الناس بالطعام الذي كان متوافراً بالجزيرة، ولكن بسبب تعرض الكثير من المنازل للدمار، وانتقال الناس إلى العيش في الخيام، فقد أصبح السكان غير قادرين على طهي الطعام لأنفسهم”. ولذلك، فقد أصبح مطعم “لذائذ لوفلي” مرة أخرى مركزاً لإعداد وجبات الطعام للأشخاص الذين يحتاجون إلى الحصول على شيء من الطمأنينة خلال الأوقات العصيبة. وتقول لوفلي في هذا الصدد: “استطعنا، بفضل المساعدة التي حصلنا عليها من منظمة “CORE” والصليب الأحمر، أن نعيد المبنى إلى سابق عهده حتى نتمكن بالفعل من إنقاذ مجتمعنا المحلي”. وتضيف قائلة: ” أصبحت قادرة على طهي وجبات الطعام، وصنع الخبز … وهذه المساعدة كبيرة بالفعل”. وبموازاة ذلك، تشكل “لذائذ لوفلي” مشروعاً عائلياً حقيقياً مع الأطفال والأحفاد الذي يُعدّون ويقدمون أطباقاً مثل “شطائر بورغر الهريكان” (كتذكار للعديد من العواصف التي تعرض لها الناس هنا)، وأجنحة الدجاج الحارة التي تحمل أسماء مثل “دا بورنز”، ولفائف البوريتو المحشورة بالكركند والأسماك والدجاج والربيان. ويتلقى الأحفاد الآن نصائح الطهي من جدتهم الطاهية المشهورة للغاية على المستوى المحلي. وتقول لوفلي: “عندما افتتحت المطعم، كان لجميع الأطفال مشاركة فيه”. وتضيف قائلة: “أشرف الآن أنا وحفيدتيّ على شؤون المطعم ولدينا عدد قليل آخر من العمال الذين يأتون أيضاً لمساعدتنا. وهم حاضرون هنا دوماً لمد يد المساعدة”. سمك “لوفلي” المقلي مع البازلاء والأرز

إقرؤوا المزيد
| مقال

قطع الاتصال والحفاظ عليه والرغبة فيه

يقول إيزي، وهو مهاجر من سيراليون تناقصت بشدة لقاءاته اليومية البسيطة مع الأشخاص الذين يتصدون مثله للصعاب التي تسببت فيها جائحة كوفيد-19: “حينما تعيش كمهاجر غير نظامي، فإن الاتصال هو أحد المقومات التي تبقيك على قيد الحياة”. وفي ظل هذه الجائحة التي تخيّم على الحياة اليومية للجميع، يواجه المهاجرون مثل إيزي صعوبات بالغة. وهؤلاء المهاجرون المحرومون حتى من ممارسة الأعمال والأنشطة الصغيرة غير مؤهلين للحصول على الاستحقاقات الاجتماعية التي توفر حالة الاستقرار اللازم لمواجهة الجائحة. وتقول جوكيبيد ميسكويتا من مؤسسة الأصدقاء التي تقدم المساعدة العملية والقانونية المهاجرين غير النظاميين الذين يعيشون في هولندا. “بما أن هؤلاء الأشخاص يعتبرون مهاجرين غير قانونيين، فليس بمقدورهم استئجار منزل، وليس بوسعهم العمل بشكل قانوني، ولا يملكون ضماناً اجتماعياً أو حسابات مصرفية”. وتؤكد أن الوضع ينتهي بالبعض منهم إلى المبيت في الشوارع، خوفاً من تقاسم غرف مع أشخاص قد يكونون مصابين بالمرض. وتقول أيضاً: “يرغب الكثير من الناس في العودة إلى أوطانهم حيث يقيم والدوهم”. وتضيف قائلة: “وهم يؤكدون قائلين “إذا لم يكن من الموت بدّ، فنحن نرغب في الموت مع بعضنا البعض”. وتمثل هذه القصص تذكرة قوية توكد أن جائحة كوفيد كانت شديدة علينا جميعاً، ولكن وقعها كان كارثياً على المهاجرين. وليس بإمكان هؤلاء المهاجرين في الكثير من الأحيان، حتى في البلدان الأكثر تقدماً، الاستفادة من آليات التصدي الهامة لجائحة كوفيد، من قبيل الرعاية الصحية النفسية أو المساكن المأمونة (لكونهم يتقاسمون الشقق في أغلب الأحيان) أو ظروف العمل (مع اتخاذ تدابير الحماية المناسبة في مجال النظافة الصحية)، وفقاً لتقرير الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر المعنون “Least protected, most affected: Migrants and refugees facing extraordinary risks during the COVID-19 pandemic. ” (الأشخاص الأقل تمتعاً بالحماية والأقل تضرراً: المهاجرون واللاجئون يواجهون مخاطر استثنائية أثناء تفشي جائحة كوفيد-19). وفوق هذا كله، فهم بعيدون عن أحبائهم وأكثر عرضة للتضليل الإعلامي الذي ينشر بلغات قد لا يكون لديهم إلمام كامل بها. مع ذلك، فهناك الكثير من النقاط المضيئة في خضم هذه التحديات. وقد كافحت كلوديا، المولودة في البرازيل، من أجل العثور على أعمال غير رسمية إلى جانب اضطلاعها برعاية ابنتها ماريا البالغة من العمر أربع سنوات. وقد حصلت الآن على وظيفة دائمة وسجلت ماريا في مدرسة تتعلم فيها اللغة الهولندية. وتقول كلوديا عن ابنتها: “إنها تلعب مع غيرها من الأطفال وتتواصل أكثر فأكثر مع أترابها”. وبالنسبة إلى إيزي كذلك، فقد عززت التحديات التي يواجهها هو وغيره من المهاجرين رغبته في تقديم ما هو إيجابي للآخرين. ويقول إيزي، الذي يحب تقديم المساعدة في مأوى محلي وتوفير الطعام للمهاجرين غير النظاميين الذين يحتاجون إلى وجبة ساخنة ومكان يحظون فيه بالترحيب: “لقد قضيت فترة طويلة من الوقت هنا ولقيت الدعم من هذا البلد”. ويضيف قائلاً: “ولذلك، فأنا أعتقد أنه يجب عليّ ردّ شيء من الجميل الذي أُسدي إليّ” كلوديا، من ميناس غيرايس، البرازيل تعمل كلوديا، المنحدرة من ولاية ميناس غيرايس بالبرازيل، منذ عام كمهاجرة غير نظامية في هولندا. وتقول كلوديا: “أحس بالضيق لأنني أُعتبر هنا شخصاً غير قانوني”. وتضيف قائلة: “ومع ذلك، فقد تمكنت من العثور على عمل وأشعر بأمان أكثر هنا. وبوسعي السير في الشوارع مع ابنتي. ونوعية الحياة التي أستطيع توفيرها لابنتي أفضل من تلك التي كانت متاحة لها في البرازيل. ولذلك، فأنا أشعر بأمان أكبر مما كنت أنعم به في البرازيل، ولكنه أمان غير مكتمل بسبب إقامتي غير القانونية”. عندما يحلّ المساء، تأخذ كلوديا وابنتها ماريا قسطاً من الراحة على أحد المقاعد في أمستردام. وتقول: “لقد جعلت جائحة كورونا الحياة شاقة بسبب الإغلاق الذي طال الكثير من الأماكن”. وتضيف قائلة: “لا يوجد مكان يمكنني أن أذهب إليه، وأضطر إلى قضاء الكثير من الوقت مع ماريا، وأمضي وقتي في الغرفة الصغيرة التي استأجرتها”. ترافق كلوديا ماريا في أول يوم دراسي لها في منطقة ديمين الواقعة في ضواحي أمستردام. ويبدأ الأطفال في هولندا الدراسة بعد وقت قصير بعد بلوغهم عامهم الرابع. وتقول كلوديا في هذا الشأن: “أنا سعيدة للغاية الآن بسبب التحاق ماريا بالمدرسة … وأرغب في تعلّم اللغة الهولندية ولكن جائحة كورونا جعلت الأمور أشد تعقيداً بسبب إغلاق الكثير من المدارس. ويتعذر علي، بسبب رعاية ماريا، إيجاد وقت أخصصه للدراسة. وقد يمكنني الآن، بعد التحاقها بالمدرسة، أن أتعلم مستقبلاً اللغة الهولندية في إحدى المدارس”. تقول كلوديا: “تنعم ماريا الآن بحياة أفضل”. وتردف قائلة: ” تلعب مع غيرها من الأطفال وتتواصل أكثر فأكثر مع أترابها. وهي سعيدة للغاية. وتتحدث طوال الوقت عن مدرستها الجديدة. وتتعلم اللغة الهولندية. وهذه المدرسة رائعة للغاية إذا ما قورنت بمدرسة الحي الذي كنا نقيم فيه بالبرازيل”. تقول جوكيبيد ميسكويتا من مؤسسة الأصدقاء التي تقدم المساعدة العملية والقانونية المهاجرين غير النظاميين في هولندا: “أصبح الوقت عصيباً منذ ظهور جائحة كوفيد -19 “. وتضيف قائلة: “يرن الهاتف طوال الوقت. ويرغب المهاجرون في الرجوع إلى البرازيل. ويرغبون في العودة إلى أحضان عائلاتهم وأطفالهم. وساعدنا أكثر من 200 شخص على العودة إلى البرازيل. ولقد توقف هؤلاء الأشخاص عن العمل ولم يعد لديهم المال اللازم لدفع الإيجار أو لشراء المواد الغذائية. ويبيت الكثير من الناس في الشوارع ويشعرون بالخوف الشديد. ويصاب الناس بفيروس كورونا ويعيش البعض منهم مع عدد يصل إلى تسعة أشخاص تضمهم غرفة صغيرة. فما هي السبل التي تتيح لهم البقاء على قيد الحياة؟ ويرغب الكثير من الناس في العودة إلى أوطانهم حيث يقيم والدوهم. ويؤكدون قائلين “إذا لم يكن من الموت بدّ، فنحن نرغب في الموت مع بعضنا البعض”. مهاجر غير موثق من البرازيل يسجل نفسه للحصول على قسيمة غذائية تصرف في أحد المتاجر الكبرى وتوزعها منظمة مؤسسة الأصدقاء في أمستردام. ويقدم هذه القسائم الصليب الأحمر الهولندي من أجل مساعدة المهاجرين الذين مروا بأوقات عصيبة منذ ظهور جائحة كوفيد-19. وتقول مسكيتا: “بما أن هؤلاء الأشخاص يعتبرون مهاجرين غير قانونيين، فليس بمقدورهم استئجار منزل، وليس بوسعهم العمل بشكل قانوني، ولا يملكون ضماناً اجتماعياً أو حسابات مصرفية”. وتضيف قائلة: “وتتمثل الفكرة في أنهم يفدون إلى هنا لمدة عامين، ويكسبون بعض المال ويعودون بعد ذلك إلى البرازيل التي يشترون فيها منزلاً ويعيشون حياة كريمة. ولكن الأمر ينتهي بمعظمهم إلى البقاء في هولندا لمدة خمس أو عشر سنوات، وهم لا يتعلمون اللغة لأنهم منشغلون بالعمل ولا يملكون الوقت اللازم للاندماج في المجتمع المحلي”. كلوديا في مطبخها وهي تقوم مع صديقة لها بإفراغ أكياس تحتوي على بعض المواد الغذائية التي يمنحها الصليب الأحمر الهولندي. وتقول كلوديا: “يساعد أفراد الجالية البرازيلية المقيمون هنا في هولندا بعضهم البعض كثيراً. وإذا كنتِ امرأة برازيلية لديها طفل، فإنهم يقدمون لكِ المزيد من المساعدة”. كلوديا وابنتها ماريا وهما تنظران إلى معرض تزييني لعيد الميلاد في واجهة أحد المتاجر في أمستردام. وتقول كلوديا في هذا الشأن: “لا أدري كيف سنحتفل بعيد الميلاد. إنه وقت صعب. وعليّ أن أعثر على مكان جديد للعيش. وقد جرت العادة في البرازيل على أن نحتفل بعيد الميلاد مع العائلة والأصدقاء. ولكن هنا؟ ليس معي سوى ماريا”. وتضيف قائلة: “يتثمل حلمي في كسب بعض المال والعودة بعد ذلك إلى البرازيل وشراء منزل لأسرتي. ولكن إذا أتيحت لي فرصة البقاء هنا بصفة قانونية، فسأفكر في ذلك. ولكن في الوقت الراهن، أرى أن المستقبل هو اليوم الحاضر. وأتعامل مع كل يوم على الحال الذي يأتي فيه”. إيزي، من سيراليون بعد انقضاء عشر سنوات على الحرب الأهلية التي اجتاحت خلال تسعينيات القرن الماضي دولة سيراليون الواقعة في غرب إفريقيا، رأى إيزي أنه لم يعد أمامه من خيار سوى مغادرة البلد. وقد تسبب له هذا النزاع في خسائر كبيرة على المستوى الشخصي. ويقول في هذا الصدد: “فقدت والدي وأخي وأختي ثم فقدت أمي في وقت لاحق”. ويضيف قائلاً: “لا يزال لدي بعض الأعمام والأخوال في سيراليون، ولكن من المتعذر معرفة مكان وجودهم بالضبط. لقد مضى على غيابي عن البلد وقت طويل”. وعلى الرغم من عدم البت في الطلب الذي قدمه للحصول على اللجوء في هولندا منذ أكثر من أحد عشر عاماً، فهو على ثقة من أنه سيحصل قريباً على رخصة الإقامة ويرى الآن في هولندا وطناً له. يقول إيزي: “أشتاق إلى كل شيء في سيراليون”. ويشرح ذلك قائلاً: “الطعام. والجو. والناس. وبالتأكيد فأنا مشتاق إلى كل شيء هناك. بيد أنه سيكون من الصعب للغاية بالنسبة لي العودة إلى وطني لأن آثار الحرب لا تزال قائمة. لقد ولدت هناك. وترعرعت هناك، ويراودني، من حين إلى آخر، هذا الحنين. ولكن عليّ أن أفكر في حالتي الصحية أيضاً، فإذا رجعت إلى بلدي، سأتعرض للإرهاق بسبب هذه العودة. وفي الوقت نفسه، ينتابني الخوف من العودة واسترجاع كل الذكريات مرة أخرى. إنه أمر غير هين”. حينما تعيش هنا كمهاجر غير نظامي، فإن الاتصال هو أحد المقومات التي تبقيك على قيد الحياة. ويمنحك الالتقاء أصدقاء الطاقة التي تمكنك من أداء الأمور يومياً حينما تستيقظ من النوم. بيد أن ذلك قد توقف الآن بسبب جائحة الكوفيد”. “أثرت جائحة كوفيد عليّ كثيراً. أولاً، لأنني فقدت بعضاً من الأصدقاء، وهم أشخاص أعرفهم – هولنديون أو أجانب على حد سواء – بسبب هذا المرض. ولكن أيضاً- وهو الأهم في رأيي- بسبب الوضع الذي أصبح من غير الممكن فيه الاتصال بالأصدقاء. فلم تعد الأمور مثلما كانت عليه في السابق. ولم يعد من الممكن الآن السماح لأي كان بالقدوم لزيارتك. ويمثل هذا أحد الأمور التي فقدناها”. يشتري إيزي وصديقه كيتا القادم من غينيا بعض مكونات الوجبة التي سيعدّها في البيت العالمي (World House)، وهو مركز يتاح فيه للمهاجرين غير النظاميين الحصول على وجبة ساخنة. ويقول إيزي: “يعيش الكثير من الأفارقة في أمستردام ويفد العديد منهم إلى هذا المركز”. ويضيف قائلاً: “هو مكان يلتقي فيه اللاجئون، ويمثل لمعظمهم الأمل الأخير حينما يضطرون إلى مغادرة مخيمات اللجوء. وقد يتعين عليهم الذهاب إلى مكان ما وعادة ما يكون “البيت العالمي” هو المكان الوحيد الذي يمكنهم التوجه إليه. ونتولى هنا إطعامهم ومساعدتهم في العثور على مأوى وفي استئناف إجراءات طلب اللجوء”. “بمقتضى القانون، لا يجوز لي العمل أو الالتحاق بالجامعة في هولندا لأنني لا أمتلك حتى الآن رخصة للإقامة. ولكنني أحب تقديم المساعدة للآخرين لأنني أعتقد أنه يجب عليّ أيضاً الإسهام في خدمة المجتمع. وأقوم في بعض الأحيان بطهي الطعام للناس في مركز البيت العالمي، وهو مكان يمكن فيه للأشخاص غير الحاملين للوثائق اللازمة تلقي المساعدة والمبيت والحصول على وجبة ساخنة. وأمد أيضاً يد المساعدة أحيانا للصليب الأحمر في إعداد الطرود الغذائية للأشخاص غير الحاملين للوثائق اللازمة والأشخاص الذين لا يحصلون على دخل. وأتعاون أيضاً مع بعض الكنائس، فأقوم بالطبخ ورواية القصص، وأُعلّم رياضة الكيك بوكسينغ، غير أن معظم أنشطة الكنيسة قد توقفت بسبب جائحة الكوفيد”. “أتلقى الآن دورة في مجال تصميم المواقع الشبكية. وتموّل هذه الدورة منظمة تقدم المساعدة للاجئين. ولطالما راودتني فكرة إنشاء موقع شبكي خاص بي، وإنشاء مواقع شبكية لأشخاص آخرين أيضاً. ولذلك، فقد عملت على اغتنام هذه الفرصة المتاحة وأسعى إلى تجسيدها في الواقع. وأرغب بالفعل في أن أعمل شيئاً من شأنه أن يساهم في خدمة المجتمع لأنني أقيم هنا منذ فترة طويلة وتلقيت الدعم من هذا البلد، ولذلك فأنا أعتقد أنه يتعين علي رد شيء من الجميل الذي أُسدي إليّ”. -- تم إنتاج هذه القصة ونشرها في الأصل من قبل مجلّة الصليب الأحمر والهلال الأحمر. للتعرف على المجلة وقراءة المزيد من القصص مثل هذه، انقروا هنا.

إقرؤوا المزيد