شاركناكم في الشهر الماضي قصة عمرو علي، المسؤول الإعلامي في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، الذي اضطر، مثل آلاف آخرين في غزة، إلى الفرار من منزله بسبب النزاع. في تلك القصة، عبّر عمرو عن حزنه بسبب عدم قدرته على مساعدة الآخرين.
"سألوني 'ماذا علينا أن نفعل؟ أين يجب أن نذهب وكيف يمكننا حماية أطفالنا؟' لم أتمكن من الإجابة عليهم لأن لدي نفس الأسئلة."
وكان عمرو قد غادر شمال غزة مع عائلته، وانتقل مؤقتًا إلى منزل شقيقه في خان يونس. وعندما تم إخلاء تلك المدينة، فقدت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الاتصال بعمرو. ومع تضرر جزء كبير من البنية التحتية وانقطاع التيار الكهربائي في غزة، باتت الاتصالات شبه مستحيلة.
لكن مؤخرًا، تمكّن عمرو من التواصل مع زملائه وإطلاعهم على آخر المستجدات عبر الرسائل النصية. وكان عمرو قد انضم إلى آلاف آخرين انتقلوا جنوباً بحثاً عن الأمان في مخيم بالقرب من مدينة رفح الحدودية. تُقدم رحلته لمحة عن الخوف والفوضى والمعاناة التي يواجهها آلاف الأشخاص الذين يعيشون في تلك المخيمات.
صورة: جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني / عمرو علي
"أسوأ لحظات على الإطلاق"
مع العلم أنهم سيحتاجون إلى عبور سلسلة من نقاط التفتيش، غادر عمرو وعائلته خان يونس في وقت مبكر من يوم 27 يناير/كانون الثاني. كان هناك قصف طوال الطريق، وفي ظل الفوضى ودويّ الانفجارات، انفصل عمرو عن زوجته وطفليه: آدم البالغ من العمر 7 سنوات وماريا البالغة من العمر 3 سنوات.
لم يتمكّن عمرو من العثور على عائلته في الحشود، ولم يكن هناك هاتف محمول أو انترنت أو أي إشارة أخرى تمكّنه من أن يتواصل معهم.
يتذكر عمرو قائلاً: "كانت هذه أسوأ لحظات على الإطلاق. لأكثر من 12 ساعة، لم يكن لدي أي فكرة عن زوجتي وأطفالي. حاولت أن أسأل المستشفيات عما إذا كانوا قد أصيبوا أو قُتلوا".
ولأن الإشارة الهاتفية كانت سيئة للغاية، استعان عمرو بأصدقائه وأقاربه في الضفة الغربية لنقل الرسائل. تلقى عمرو مكالمة بعد الساعة 10 مساءً، علم من خلالها أن بعض الأقارب قد وجدوا عائلته، وقاموا باستضافتها.
قال عمرو: "كان الوضع خطير جدًا، لكننا تمكّنا من الوصول إلى رفح".
صورة: جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني / عمرو علي
"لا يوجد شيء مجهز هنا"
بصفته مسؤولاً إعلاميًا، كان عمرو يلتقط صورًا لموظفي الهلال الأحمر الفلسطيني ومتطوعيه الذين يستجيبون لاحتياجات الأشخاص المتضررين بفعل النزاع.
أما الآن، فصوره تُظهر الحياة في المخيم مع ابنه وابنته، ومحاولته الحفاظ على الابتسامة، واستعادة بعض الشعور بالحياة الطبيعية والأمل لأطفاله، بالرغم من المأساة.
"ليس من السهل على الإطلاق الانتقال من منزل مجهز إلى مكان بعيد جدًا في خيمة حيث لا يوجد شيء مُجهز."
ويقول إنهم يفعلون كل شيء بشكل يدوي هنا، حيث يقومون بإنشاء حمامات ومطابخ وأماكن للنوم ونظام لتخزين المياه. ولا يزال الوصول إلى الغذاء صعباً، وقد ارتفعت الأسعار بثلاثة أو أربعة أضعاف منذ بداية الصراع.
كان سعر اللحوم 12 دولارًا أمريكيًا من قبل، والآن أصبح سعرها أكثر من 40 دولارًا، وهذا إذا كانت متوفرة. يقول عمرو إن عائلته لا تستطيع تحمّل هذه الكلفة، لذا يأكلون الأطعمة المعلّبة.
دوي الانفجارات
يعاني طفلا عمرو أيضًا، بحيث فقد ابنه آدم صديقه بعد أن أدى انفجار إلى تدمير المنزل الذي كان يقيم فيه، في حين أن ماريا مرتبكة جدًا بسبب اضطرارهم إلى التنقّل باستمرار.
يقول عمرو إن الوضع كان هادئًا في البداية في رفح، لكن سُمعت انفجارات وطلقات نارية في جميع أنحاء المدينة في فبراير/شباط.
"العيش في خيمة في مثل هذه الظروف أمر مرعب للغاية. تشعر أن كل رصاصة موجهة إليك. شعرنا بالرعب، وذهبنا كلنا للاطمئنان على أطفالنا وأحبائنا. إن العيش في هذه الظروف في خيمة مصنوعة من القماش يجعلك تشعر وكأنك أضعف مخلوق على وجه الأرض."
صورة: جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني / عمرو علي
في أغلب الأوقات، يفكر عمرو في المستقبل، فيقول: "نتحدّث دائمًا عما حدث سابقًا، وعن أين سنبقى بعد انتهاء الصراع. أعتقد أننا سنظلّ في الخيام وأن هذه الظروف ستستمر لفترة طويلة، ربما لسنوات".
"لا أريد أن يحلم أطفالي بمشاهد الجنود والدبابات وإطلاق النار ودوي الانفجارات المرعب."
صورة: جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني / عمرو علي
يقدم موظفو ومتطوعو جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الرعاية الطبية في المستشفيات والمراكز الطبية، وخدمات الإسعاف، ومعلومات عن الصحة العامة، والدعم النفسي والاجتماعي، للناس في غزة.
وتقوم الفرق أيضًا بتنسيق عملية استلام وتوزيع المساعدات المنقذة للحياة، مثل الغذاء والماء والأدوية وغيرها من مواد الإغائة. وهم يفعلون ذلك بالرغم من خوفهم على أسرهم وقلقهم بشأن الظروف الصعبة التي يعيشونها هم أنفسهم.