"سمعت الرصاص في الخارج عندما كنت أقوم بالتنظيف. أخبرني مديري أن الحرب قد بدأت."
هذه هي كلمات تيريزا*، وهي شابة من كينيا وافقت بشجاعة على مشاركة قصتها معي حول الفرار من الصراع في السودان. خوفًا على سلامتها، طلبت مني عدم نشر صورتها.
كانت تيريزا قد بدأت لتوها العمل كعاملة منزلية مع خمس شابات أخريات في منزل كبير في العاصمة السودانية، الخرطوم، عندما اندلع القتال.
"كنت جديدة في السودان. غادر مدراءي إلى مصر وبقيت مع خمس فتيات وثلاثة رجال أمن. انقطعت الكهرباء ولم يكن هناك مياه وكان الجو حاراً جداً."
وتقول تيريزا أن اللصوص دخلوا المنزل، وقيّدوا رجال الأمن وبدأوا في البحث عنها وعن زملائها.
"ذهبنا واختبأنا في الطابق العلوي من المنزل حيث كان هناك خزان مياه. حطّم اللصوص الأبواب وأخذوا الذهب والمال وكل شيء في المنزل. حتى جواز سفري."
"صعدوا إلى الطابق العلوي ونظروا حولهم. لقد كنا قد تركنا هاتفًا وابريقاً من الشاي، وقالوا "الفتيات في الجوار وتناولن الشاي هنا."
كنت داخل خزان المياه. أطلقوا الرصاص لكي نخرج، لكننا بقينا في مكاننا. بقينا صامتات في خزان الماء حتى غادروا."
فرّت تيريزا وزميلاتها من المنزل بعد عدة أيام عندما جاءت مجموعة أخرى من الرجال الذين استقروا هناك.
"تركت كل شيء في ذلك المنزل. الطريق لم يكن آمناً. كانت القنابل في كل مكان. كانوا يطلقون النار، ولم أهتم [إذا مت]. [...] ذهبت إلى سفارتي. مكثت هناك ثم نقلوني إلى كينيا."
تيريزا هي واحدة من 44 شخصًا التقيت بهم في مطار نيروبي وتمكنوا من نقلهم من الصراع في السودان إلى برّ الأمان.
دخلوا عبر بوابات المطار في أزواج ومجموعات صغيرة، وانهاروا على الكراسي التي وُضعت لهم من قبل متطوعي الصليب الأحمر الكيني. "كاريبو"، والتي تترجم الى "على الرحب والسعة"، كانت من بين الكلمات الأولى التي سمعوها.
صورة: الاتحاد الدولي / سوزان كالينان
كانت المجموعة مكونة في الغالب من النساء - تم إعطاء الأولوية لإجلائهم بسبب زيادة مخاطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. لقد جاءوا من بلدان مختلفة وكانوا جميعًا في السودان للعمل أو الدراسة.
أخبرتني أليكسينا، أخصائية اجتماعية ومتطوعة في الصليب الأحمر الكيني، أن معظم النساء وبعض الرجال الذين ساعدَتهم قد نجوا من العنف الجنسي. لقد رحّبت بالعديد من المجموعات، وهناك قصص تشبه قصة تيريزا بشكل صادم. غالبًا ما يفر الناس بعجلة، أو يتعرضون للسرقة اثناء تنقلهم، مما يعني أنهم لا يحملون عادةً أي جوازات سفر أو أموال أو ممتلكات عند وصولهم إلى نيروبي.
عند وصولهم، يقوم الأشخاص الذين تم إجلاؤهم بالتسجيل أولاً لدى متطوعي الصليب الأحمر الكيني الذين يأخذون بياناتهم لمساعدتهم في إعادة التواصل مع أحبائهم. ثم يؤخذون إلى خيمة حيث يمكنهم إجراء محادثات هادئة مع عاملين مدربين في مجال الصحة النفسية.
صورة: الاتحاد الدولي / سوزان كالينان
داخل الخيمة، يجلس المتطوعون، من ضمنهم اخصائيين نفسيين وأخصائي اجتماعي، في دوائر صغيرة تشمل الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، حيث يشاركون قصص حول ما مروا به. يمنح هذا الدعم النفسي-الاجتماعي المبكر للأشخاص الذين مروا بمواقف صادمة فرصة للبدء في معالجة ما حدث.
بعد ذلك، هناك طاولة للشرطة لمساعدتهم في اثبات هويتهم. ثم هناك منطقة ترحيب مريحة حيث يستمتع الناس بالطعام والمشروبات، ومحطة إسعافات أولية مزودة بمستلزمات طبية ومستلزمات النظافة. يمكن للأشخاص استخدام الهاتف بشكل مجاني، ويدير الصليب الأحمر الكيني خدمة النقل بالحافلات لنقل الأشخاص إلى أماكن إقامة مجانية.
تقول تيريزا: "أنا سعيدة جدًا بالعودة إلى كينيا الآن [...] عندما كانوا يبحثون عني وكنت داخل خزان المياه، ظننت أنه يوم موتي".
بعد سرد قصتها، تبدو تيريزا مخدرة ومرهقة. وجدت صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة عندما حان الوقت لنودع بعض. صعدَت تيريزا إلى إحدى الحافلات، وهي تحمل حقيبتها الوحيدة، ، بينما أنا كنت أفكر في ما كان يجب أن أقوله: "انني في حالة ذهول من قدرتك على الصمود يا تيريزا".
--
يقدر أن تسعة ملايين شخص قد تضرروا من الصراع في السودان. نزح حوالي 1.2 مليون شخص داخليًا وفر ما يقرب من نصف مليون شخص إلى البلدان المجاورة.
أطلق الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر نداءين طارئين استجابةً لهذه الأزمة: الأول لدعم جمعية الهلال الأحمر السوداني لمساعدة الناس داخل السودان، والثاني لدعم الجمعيات الوطنية في ستة بلدان مجاورة للترحيب بالفارين من الصراع.
لمساعدة أشخاص مثل تيريزا، يرجى التبرع للنداءين من خلال الروابط أعلاه.
--
*تم تغيير الاسم بهدف حماية هويتها.