الأمين العام للاتحاد الدولي: "المسعفون لدينا قُتلوا بوحشية وألقيت جثثهم في مقبرة جماعية. هذا الأمر لا يمكن أن يتكرر أبدًا."
ردّ الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، جاغان تشاباغين، على مقتل ثمانية مسعفين من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، في مقال نُشر بصحيفة الغارديان البريطانية في 5 أبريل/نيسان 2025.أيّ لحظة كانت الأكثر فظاعة؟ هل كانت لحظة الانتظار المليئة بالقلق، التي امتدت لأسبوع كامل بعد اختفاء زملائنا، بينما كنّا نخشى الأسوأ ونتمسك ببصيص أمل؟ أم كانت لحظة التأكد، بعد سبعة أيام، من العثور على الجثث؟ أم أنّها التفاصيل الصادمة التي عرفناها لاحقًا عن طريقة مقتلهم وكيفية العثور عليهم؟عُثر على سيارات الإسعاف مدمّرة ومدفونة جزئيًا، وعلى مقربة منها، كانت جثثهم مدفونة في الرمال. زملاؤنا الذين فقدناهم كانوا لا يزالون يرتدون سترات الهلال الأحمر. في حياتهم اليومية، كانت هذه السترات رمزًا لهويتهم كعمال إنسانيين. كان من المفترض أن تحميهم. لكنها، في موتهم، أصبحت أكفانهم.مصطفى خفاجة، عز الدين شعت، صالح معمر، رفعت رضوان، محمد بهلول، وأشرف ابو لبدة، ومحمد الحيلة، ورائد الشريف — كانوا جميعًا رجالاً طيبين، منهم من يعمل كمسعف ومنهم من تطوّع كمستجيب أولي. ومع زميلهم المفقود أسعد النصاصرة، كانوا في طريقهم للقيام بما اعتادوا فعله: إنقاذ الأرواح.نعلم أن غزة بعد وقف إطلاق النار ليست آمنة. لكن هؤلاء الرجال لم يكونوا جنودًا. ظنوا أن سياراتهم التي تحمل شعار الهلال الأحمر ستوضّح مهمّتهم الإنسانية. ظنوا أن القانون الدولي الإنساني ما زال يُحترم. ظنوا أن العاملين في القطاع الصحي سيكونون في مأمن. كانوا مخطئين، بشكل مأساوي وفادح.أكتب اليوم لأناشد الجميع: أعيدوا لهذه الافتراضات مصداقيتها. ما جرى في غزة ليس حادثة معزولة، بل جزء من اتجاه خطير متزايد؛ المزيد من عمال الإغاثة يُقتلون حول العالم. يجب عكس هذا الاتجاه.بصفتي أمينًا عامًا لأكبر شبكة إنسانية في العالم، الاتحاد الدولي المؤلف من 191 جمعية وطنية وأكثر من 16 مليون موظف ومتطوع، اعتدت على رؤية الصدمات. موظفونا موجودون حيثما تضرب الكوارث، كما في ميانمار بعد الزلزال الأخير، أو في روسيا وأوكرانيا حيث يمتد تأثير النزاع.فرقنا تعرف كيف تدعم الآخرين في أوقات الأزمات. لكن لا يجب أن يصبحوا هم الضحايا بسبب ما يقومون به. القانون الدولي الإنساني واضح: يجب حماية العاملين في المجال الإنساني والمجال الصحي. هذه الشارات التي يرتدونها ليست رمزية فقط، بل تمثّل ضمانة. ومع ذلك، تُشير قاعدة بيانات سلامة العاملين في المجال الإنساني الى أن عمال الإغاثة يتعرضون للقتل بشكل متزايد. في عام 2023، بلغ هذا العدد 280.فقدنا نحن في شبكتنا 18 زميلًا في ذلك العام، منهم ستة من جمعية نجمة داوود الحمراء في إسرائيل خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول. أما في العام الماضي، فقد سُجّل أعلى رقم على الإطلاق، 382 عاملاً في المجال الإنساني قتلوا، من بينهم 32 من الصليب الأحمر والهلال الأحمر، 18 منهم من الهلال الأحمر الفلسطيني، وثمانية في السودان. وهذا العام يبدو أسوأ.لا يمكن أن نتعامل مع هذه الجرائم وكأنها أمر اعتيادي. لا يمكن قبول فكرة أنها "جزء من المخاطر". نعم، أنا ممتن للغضب الشعبي والسياسي والإعلامي بعد الحادثة الأخيرة. لكن الغضب وحده لا يكفي.يجب أن نُظهر نفس الغضب كلّما قُتل عامل في المجال الإنساني، في أي مكان وأي وقت. وغالبًا، حين تكون الضحية من المجتمع المحلي، لا يُلقى للأمر نفس الاهتمام كما لو كانت الضحية شخص "أجنبي".ويجب أن نُطالب الحكومات بتغيير سلوكها، وسلوك من يخضعون لسلطتها. فبغضّ النظر عن الظروف، من واجب الدول حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني. يجب أن تكون هناك محاسبة حقيقية لمن يرتكب جريمة قتل عاملين في المجال الإنساني، سواء عن قصد أو نتيجة إهمال.كما على الحكومات الأخرى أن تُمارس الضغط السياسي والدبلوماسي على بعضها البعض.هذا الأسبوع، زار قادة الهلال الأحمر الفلسطيني نيويورك للحديث أمام مجلس الأمن والمطالبة بحماية أكبر للعاملين في المجال الإنساني. وفي جنيف، جعلتُ من حملة "لنحمي الإنسانية" محورًا لمحادثاتي مع الحكومات، علنًا وسرًا.لكننا، في الاتحاد الدولي، نسير على حبل مشدود. الحياد وعدم الانحياز من مبادئنا الأساسية. الابتعاد عنهما قد يُعقّد عملنا. مهمتنا ليست توجيه أصابع الاتهام إلى الجهات المسؤولة، بل التعامل مع العواقب. حتى في أسوأ الظروف، كما حدث في غزة مؤخرًا أو في إسرائيل قبل 18 شهرًا، لا نُحمّل نحن كاتحاد أي جهة أو فرد المسؤولية بشكل مباشر، وهذا أمر مقصود.لماذا؟ لأننا نؤمن بالتمسك بمبادئنا، كما نُطالب الآخرين بالتمسك بالقانون، خصوصًا القانون الدولي الإنساني. نأمل أن التزامنا هذا يُضفي على صوتنا وزنًا أكبر حين نطالب بالعدالة.ونحن نطالب بالعدالة. في غزة، يجب السماح للمحققين المستقلين بالوصول الكامل للحقيقة حول ما جرى قبل أسبوعين. يجب أن يكون هناك احترام لأولئك الذين قُتلوا، عبر محاسبة من قتلهم. الإفلات من العقاب في أي مكان يُولّد الإفلات من العقاب في كل مكان. وهذا أمر لا يمكن القبول به.في الأسبوع الماضي، أرسلنا أنا ورئيسة الاتحاد الدولي، رسائل تعزية لعائلات ثلاثة من زملائنا قُتلوا في الكونغو وسوريا. وبدعم من "الصندوق الأحمر لدعم العائلات" الممول من الاتحاد الأوروبي، قدمنا مساهمات مالية رمزية، ونتمنى لو لم نكن مضطرين لذلك. وستُرسل رسائل مشابهة قريبًا إلى عائلات الضحايا في غزة.لكن رسائل التعزية، مهما كانت صادقة، ليست كافية. ما يُحدث فرقًا حقيقيًا هو أن نُعيد الاعتبار للقانون الدولي الإنساني.أنا غاضب. ولكنني أيضًا مرهق من الشعور بهذا الغضب مرارًا وتكرارًا. يجب حماية العاملين في المجال الإنساني. من أجل الإنسانية، بكل بساطة.