رندة الأزير: في كل مكان على هذا الكوكب نسمع أخبارًا عن كوفيد -19. وعلى رغم ذلك، بقيت بعض الأماكن النائية بعيدة عن المشهد إذ لم يتمّ تلقي أو مشاهدة تقارير عنها، وبالتالي بقيت جاهلة بشأن تفاصيل الفيروس أو نطاق أخطاره. إنّ هذه المواقع المعزولة هي في ولاية الواد جنوب شرق الجزائر، حيث يعمل الهلال الأحمر الجزائري على توفير المعرفة، التوعية، خطوات الوقاية، الحجر الصحي الإلزامي عند الحاجة بسبب كوفيد-19، وجعل المساعدات الغذائية في متناول اليد.
تستغرق رحلة فريق الهلال الأحمر الجزائري من 10 ساعات إلى يومين كاملين حسب المسافة المطلوبة للوصول إلى عائلات البدو الرحل. عادة ما تغادر القافلة مكتب لجنة الولاية التابعة للهلال الأحمر الجزائري في مدينة الواد، وهذا يستدعي ركوب سيارات الدفع الرباعي لعبور الطرق الرملية الصعبة في الصحراء الجزائرية. ولكن عند خط النهاية، تستقبل العائلات البدوية الرحل قافلة المتطوعين بأذرع مفتوحة وأعين تلمع. قال سالم بو صلاح، المسعف الميداني ورئيس منصات وسائل التواصل الإجتماعي في الهلال الأحمر الجزائري: "لا يواجه المتطوعون أي مشاكل في تعريف العائلات بمركز الهلال الأحمر الجزائري وأنشطته الإنسانية، حيث تعود علاقتنا إلى زمن بعيد. يمثّل لهم علم الهلال الأحمر الجزائري المرفرف فوق السيارات الأمل والمساعدة. كما أنّ المتطوعين يتواصلون شخصيًا مع بعض هذه العائلات".
الوضع في هذه الأجزاء المنعزلة من ولاية الواد مختلف، وخدمة الإتصال عبر الإنترنت لا يمكن التعويل عليها. قبل وصول فرق الهلال الأحمر الجزائري، لم يكن البدو الرحل يعرفون بالفيروس ومخاطره وطرق انتقاله، بعكس سكان المناطق الحضرية في الولاية الذين استفادوا من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية. نظرًا للتنوع العرقي في هذه المناطق البعيدة، يلعب متطوعو الهلال الأحمر الجزائري، الذين يبلغ عددهم حوالي 400 شخصًا متخصصين كممرضات وأطباء من مختلف المستويات الاجتماعية والتعليمية، دورًا وسيطًا مهمًا للغاية في تبسيط المفاهيم والأفكار في اللغة البدوية، ونقل رسائل توعوية وشرح الممارسات الصحية ذات الصلة للفئات الأمية المنكوبة. ويحاول المتطوعون، بما هو متاح، سد الثغرات الناجمة عن غياب المرافق الصحية والمستشفيات وحتى مياه الشرب النظيفة.
لا تستقر عائلات البدو الرحل في مواقع دائمة، وتواصل التحرّك على الشريط الحدودي بين الجزائر وتونس. لقد أخبرنا الممرض من الهلال الأحمر الجزائري مسعود الطيب الذي انضم إلى الجمعية كمتطوع منذ عام 2012، عن خصوصيات هذه العائلات التي تغيّر باستمرار الأماكن التي يجب أن تختلط فيها بأشخاص من مناطق مختلفة، "لذلك، تصبح هذه العائلات أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه وتلك المعدية، والعديد من أطفالهم لا يتلقون التطعيمات بانتظام، وفي الوقت المحدد. يساهم الهلال الأحمر الجزائري بتزويدهم باللقاحات والخدمات الطبية".
إنّ مثل هذه الزيارات للعائلات البدوية لم يسبق لها مثيل، على الرغم من ازدياد أعدادها وتواترها مؤخرًا مع انتشار كوفيد-19. تتم زيارات العائلات بشكل دوري تحت علم متطوعي الهلال الأحمر الجزائري في ولاية الواد. قال السيد بوضياف، رئيس لجنة الولاية في الهلال الأحمر الجزائري في الواد: "إنّ لجنة الولاية تتكون من خلايا مختلفة، مثل لجنة صحة المجتمع، والإعلام والاتصالات، والمسعفون الميدانيون، والنسوية وحماية الطفولة". حتى الآن، حصدت 734 أسرة لديها حوالي 800 طفل وأكثر من 113 من كبار السن فوائد 2000 حزمة غذائية، وفحوصات متابعة صحية بالتنسيق مع "الحماية المدنية" و"الصحة العسكرية" التي لديها الوسائل. عملياً، "يقدم المتطوعون خدماتهم. إنني أقدم خدمة صحية في المستشفى حيث أعمل لمساعدة الأسر المعوزة، التي لا تستطيع تحمل تكاليف العلاج أو السفر إلى المستشفيات البعيدة"، يقول الطيب. كما يقوم الهلال الأحمر الجزائري بعمليات توعية وتعقيم.
دور الهلال الأحمر الجزائري هنا مهم وحساس للغاية. يدرك الجميع تقريبًا الطبيعة المحافظة داخل هيكل العائلات البدوية الرحل التي تطالب بوجود متطوعات من الإناث، وليس الذكور، للتواصل مباشرة مع النساء في هذه العائلات. ومن هنا تأتي الأهمية الأساسية للناشطات داخل الهلال الأحمر الجزائري. هم الذين يتأكدون من توصيل رسائل التوعية، وتمّ توسيع نطاق هذه الخدمة لتمريرها إلى أكبر عدد ممكن من النساء في المجتمع المحلي. وعلّق الطيب على هذا الأمر قائلاً: “تختار معظم هذه العائلات العلاجات العشبية كعلاج رئيسي، لكن هذا يمكن أن يشكل خطرًا في بعض الحالات، خصوصاً على النساء والحوامل والأطفال. إنّ عملنا في تقديم المساعدة الصحية والغذائية له قيمة كبيرة ".
على ضوء هذه الأوقات الصعبة، أصبحت المساعدة الغذائية التي يصرّ الهلال الأحمر الجزائري على توزيعها أيضًا موردًا لهذه العائلات لدرء الجوع. مثل العديد من الأماكن حول العالم، تعرّضت هذه المنطقة في ولاية الواد لضربة اقتصادية شديدة بسبب كوفيد-19. إنّها مصدر زراعي رئيسي في البلاد إذ تعتمد على تصدير المنتجات الزراعية (34% من مجموع الخضار المصدرة) التي تأثرت بالحجر الصحي، وتعليق الرحلات الجوية. على الرغم من حملات التصدير المنظّمة لمساعدة المزارعين، تحمّل البدو الرحل العبء الثقيل للآثار السلبية التي حدثت من حظر التجول وإغلاق أسواق الماشية.
خلفية عامة:
تأسس الهلال الأحمر الجزائري عام 1956 في ذروة ثورة التحرير والاستقلال. يعتبر الهلال الأحمر الجزائري أقدم منظمة إنسانية في الجزائر. كان عملها الأول هو معالجة ضحايا الحرب. بعد الإعتراف به من قبل الحكومة كجمعية إغاثة طوعية مستقلة، انضم الهلال الأحمر الجزائري إلى الإتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC) في يوليو/تموز 1963. لديه 48 فرعًا في جميع أنحاء الولايات ومكتب في كل مدينة، والتي لها العديد من اللجان التي تقدّم الخدمات الصحية الأساسية، المساعدات الإنسانية، والمساعدات الخيرية، إلى جانب مجموعة أخرى من الأنشطة البيئية والرياضية والفنية.