من الطبيعي أنه عندما نسمع عن خطر ما، مثل تفشي مرض معدي، أو ارتفاع منسوب مياه الفيضانات، أو حريق سريع الانتشار، أو إصابة أشخاص بسبب العنف، فإننا نرغب غريزيًا بالذهاب في الاتجاه الآخر.
ولكن هناك أيضًا غريزة إنسانية تدفعنا الى المساعدة، وإذا لزم الأمر، التحرك نحو الخطر لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا مساعدة أولئك المعرضين للخطر.
اليوم، في اليوم العالمي للعمل الإنساني (19 أغسطس/آب 2024) نكرم أولئك الذين يعملون من أجل الإنسانية، من خلال مواجهة المخاطر، بهدف تقديم الإسعافات الأولية المنقذة للحياة، أو الرعاية الطبية، أو أشكال أخرى من المساعدة للأشخاص المتضررين من الأزمة.
كما نطالب، من خلال حملة #لنحمي_الإنسانية التي أطلقها الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر اليوم، بحماية جميع المتطوعين والعاملين في المجال الإنساني بشكل كامل من الأذى أو العنف أثناء قيامهم بعملهم المنقذ للحياة.
أبطال المجتمع
هؤلاء المتطوعون والعاملون في المجال الإنساني ليسوا أبطالًا خارقين. إنهم أناس عاديون، مندفعين لمساعدة الآخرين؛ إنهم مدربون ولديهم الخبرة حول كيفية الاستجابة أثناء حالات الطوارئ.
مثل أي شخص آخر، هؤلاء المتطوعون يشعرون بالخوف، ولكن تم تدريبهم على التعامل مع المواقف الصعبة وحماية أنفسهم قدر الإمكان. ولا يمكن لهذا التدريب أن يحميهم بشكل كامل إذا لم يتم منحهم الاحترام الكامل الذي يستحقونه أثناء عملهم السريع لإنقاذ الأرواح.
صورة: أليون ندياي / الاتحاد الدولي
إنهم أشخاص مثل هيلين مولا، المتطوعة في الصليب الأحمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي تقدم المعلومات المنقذة للحياة للمجتمعات التي تواجه الآن تفشي فيروس جدري القردة.
وتقول: "في البداية كنت خائفة من الذهاب إلى المجتمعات للتحدث عن جدري القردة ومخاطره، لأنني أعلم أنه يمكن أن ينتشر من شخص لآخر. لكن الخوف طبيعي. أنا متطوعة، وليس لدي خيار سوى محاولة إنقاذ الأرواح."
صورة: جمعية الصليب الأحمر الكاميروني
أو أشخاص مثل ديل محمد، البالغ من العمر 46 عاماً، وهو واحد من حوالي 3,300 متطوع من الصليب الأحمر والهلال الأحمر، يعملون كحجر الأساس للاستعداد المجتمعي والاستجابة للطوارئ داخل مخيمات كوكس بازار للنازحين في بنغلاديش.
ديل هو جزء من مجموعة رائعة من الأفراد، هم بمثابة أبطال مجهولين في مجال التأهب للكوارث والاستجابة لها، في مكان حيث تشكل الأعاصير تهديداً مستمرًا. ويقول: "يعرف الناس أننا سنكون في خدمتهم إذا احتاجوا إلينا أثناء أي كارثة".
بالنسبة لهاماسيو بوروتيا من الصليب الأحمر الكاميروني، فإنه يحب مساعدة الناس في المجتمعات المحلّية على تجنّب مخاطر الأمراض المعدية القاتلة مثل الكوليرا. يقول هاماسيو: "أنا سعيد بالمساعدة في حماية مجتمعي من الأمراض المعدية. أشعر بالفخر عندما أرى أنه يتم تطبيق المعلومات التي أنقلها، وأن المجتمع في حالة أفضل".
صورة: الصليب الأحمر السلوفيني
ويواجه آخرون مخاطر يومية تهدد حياتهم أثناء العمل في مناطق النزاع، ويعرفون طعم الخسارة، بحيث فقدوا زملائهم الذين قُتلوا أثناء محاولتهم مساعدة الآخرين.
يتذكر سائق سيارة الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، جهاد منصور، تلك الخسارة في كل مرة يفتح فيها باب الخزانة في مكتبه، حيث علّق صورة لصديقه المقرّب وزميله فادي المعني، الذي قُتل في وقت سابق من هذا العام أثناء تأدية واجبه.
يقول: "في كل مرة أفتح فيها الخزانة، تعود إلي ذكريات صديقي العزيز وزميلي فادي المعني، متذكراً زملاء آخرين فقدناهم أثناء تأدية واجبهم. لقد استمتعنا بالكثير من الأيام والسنوات الجميلة معًا، وقد أثّر فقدانهم علينا بشدة، وتركنا منهكين عاطفياً. لكننا سنواصل مهمتنا الإنسانية حتى النهاية".
يعرف محمد البرعي أيضًا هذه الخسارة. ومثل منصور، فإن شغفه بمساعدة غيره لا يزال متواصل. كان البرعي متطوعًا الهلال الأحمر الفلسطيني قبل أن ينتقل هو وعائلته إلى سلوفينيا بسبب الصراع في غزة.
يتذكر قائلاً: "أحيانًا كمتطوع، تخرج لأداء وظيفتك ولا تعرف ما إذا كنت سترى عائلتك مرة أخرى، ولا تعرف ما إذا كنت ستعود إلى المنزل. لكن المتطوعين لا يتوقفون أبدًا عن مساعدة الآخرين... إنهم أبطال الإنسانية".
حان الوقت لنحمي الإنسانية
في اليوم العالمي للعمل الإنساني لعام 2024، نكرّم المتطوعين ونطالب بحصولهم على الدعم والحماية والاحترام الذي يستحقونه.
للأسف، يفشل العالم حاليًا في مساعدة العاملين في المجال الإنساني والأشخاص الذين يخدمونهم. ففي هذا العام وحده، قُتل 28 متطوعًا من الصليب الأحمر والهلال الأحمر أثناء أداء واجبهم، قُتلوا وهم يحاولون ببساطة إنقاذ أرواح الآخرين.
ولهذا السبب نطلق اليوم حملة "لنحمي الإنسانية"، التي تطالب بسلامة وحماية العاملين في المجال الإنساني، وتسلط الضوء على العدد المثير للقلق من متطوعينا وموظفينا الذين قُتلوا أثناء أداء واجبهم منذ بداية العام.
وفي بيان مشترك تم الإعلان من خلاله عن الحملة، قالت رئيسة الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، كيت فوربس، والأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، جاغان تشاباغين:
"منذ بداية هذا العام، توفي 28 من متطوعينا وموظفينا أو قُتلوا بشكل مأساوي أثناء أداء واجبهم الإنساني. لقد شهدت هذه الفترة بعض أعلى مستويات العنف ضد متطوعينا وموظفينا.
"إن خسارة روح واحدة هي خسارة فادحة. لقد وصلنا إلى نقطة تحول، ويجب علينا أن نطالب بسلامة وحماية عمّالنا. اليوم، في اليوم العالمي للعمل الإنساني، يطلق الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر حملة توعية عامة لتسليط الضوء على الحاجة إلى حماية العاملين في المجال الإنساني".
يدعوكم الاتحاد الدولي للانضمام إلى هذه الحملة، التي تم إطلاقها في اليوم العالمي للعمل الإنساني. هذا التضامن أمر بالغ الأهمية، لأن المتطوعين سيواصلون العمل لخدمة الإنسانية على الرغم من المخاطر.
وفي هذا الصدد، يقول محمد البرعي: "لن نتوقف عما نقوم به كحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر. نحن بشر ونريد أن نساعد الآخرين. نحن محايدون وندعم جميع البشر. لكننا بحاجة إلى وقف أعمال العنف ضد العاملين في المجالي الإنساني. إذا واصلنا التصرف على هذا النحو، فما هو نوع المستقبل الذي سنبنيه؟