خلف العناوين الرئيسية: يأملون للأفضل، بينما يستعدون للأسوأ
منذ تصاعد أعمال العنف في إسرائيل وفلسطين في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قام الهلال الأحمر المصري بتسليم ما يقرب من 18,000 شاحنة من الإمدادات الطبية، والمواد الغذائية، وغيرها من السلع إلى غزة، بينما تواصل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني تقديم الخدمات الصحية الطارئة، وتنسيق عملية الاستلام وتسليم المساعدات.العملية ليست سلسة دائمًا، فكثيرًا ما يتم حظر أو تأخير تسليم المساعدات. لكن في نهاية المطاف، تمكّنت آلاف الشاحنات من العبور. وتعود قدرة الهلال الأحمر المصري على توسيع نطاق الاستجابة إلى خبرته في دعم آلاف الأشخاص الذين فرّوا من العنف في السودان. "في حالة الهلال الأحمر المصري، كانت هناك العديد من الدروس المستفادة من الاستجابة لحركة نزوح السكان من السودان الى مصر في أبريل/نيسان الماضي، بما في ذلك النظام اللوجستي، وكيفية بناءه بسرعة، والقدرة على توسيع نطاقه وفقًا للاحتياجات". يقول الدكتور حسام فيصل، رئيس وحدة الصحة والكوارث والمناخ والأزمات في المكتب الإقليمي للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.لكن الأزمة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط اليوم تطرح أيضًا العديد من التحديات الجديدة، وفقًا لما ذكره لطفي غيث، رئيس عمليات جمعية الهلال الأحمر المصري.يقول غيث: "نحن نواجه أزمة مختلفة تمامًا عن الأزمات السابقة. لقد اعتدنا على العمل في غزة، إلا أن الوضع الآن لا يمكن التنبؤ به، ولا نعرف كيف يمكن أن تتغير الأوضاع من لحظة إلى أخرى، كما يحدث بالفعل."الاستجابة لحالات الطوارئإن ما يحصل خلف الكواليس، قبل وقوع الأزمة، هو أحد الجوانب التي غالبًا ما لا يتم الحديث عنها، وهو ما يضمن فعالية الاستجابة لأنها تناسب الوضع والثقافة والديناميكيات المحلية.إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تشتهر بديناميكياتها الجيوسياسية المعقّدة، ومساحاتها الشاسعة، وثقافاتها المتنوعة، وأهميتها التاريخية، هي أيضاً منطقة تواجه بعض التحديات الإنسانية الأكثر صعوبة في العالم. تعمل الجمعيات الوطنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن هذا السياق المعقّد والمتقلّب باستمرار، حيث تتعامل مع مجموعة واسعة من التحديات التي تشمل الاضطرابات المدنية، والعنف المسلّح، والطقس المتطرف - مثل موجات الحر والجفاف والفيضانات - والمخاطر التكنولوجية، مثل الانفجار الهائل الذي هز بيروت في عام 2020.الاستعدادوكل هذا لن يكون ممكنًا من دون التحضير المسبق من جانب الجمعيات الوطنية. من أجل القيام باستجابة فعالة، تحتاج الجمعيات الوطنية إلى العمل على آليات الاستجابة، وتدريب الموظفين والمتطوعين، وإجراء عمليات المحاكاة، وبناء القدرات بشأن التخطيط للطوارئ، وكذلك النظر في كيفية جمع الدروس المستفادة من حالات الطوارئ الأخرى.على سبيل المثال، يواجه الصليب الأحمر اللبناني العديد من الأزمات المتداخلة التي يتعين عليه التعامل معها: عواقب انفجار 4 أغسطس/آب 2020، والأزمة الاقتصادية، وأزمة اللاجئين السوريين، والآن الصراع في غزة.وفيما يتعلق بالأزمة في غزة، تمكنت الجمعية الوطنية من زيادة استعدادها لأنها حاصلة على تفويض من السلطات لتقديم خدمات الطوارئ الطبية في البلاد.على سبيل المثال، عملت الجمعية الوطنية بنشاط على تعزيز إمكانيتها بالوصول، من خلال التخزين المسبق للإمدادات، وزيادة التأهب داخل مراكز خدمات الطوارئ الطبية الخاصة بها، وحشد المزيد من الموظفين والمتطوعين ليكونوا جاهزين للاستجابة.ويقول فيصل: "لقد رأينا كيف أتى التحضير والاستعداد بثماره عندما بدأ التصعيد في جنوب لبنان، وكان الصليب الأحمر اللبناني جاهزًا على الفور للاستجابة وتقديم الدعم للسكان المتضررين والنازحين."ويضيف: "كان [الصليب الأحمر اللبناني] الجهة الموثوقة الوحيدة التي تمكنت من الوصول إلى الجنوب لإجلاء الجرحى. كل هذا أصبح ممكنًا من خلال التخطيط لحالات الطوارئ، والتنسيق، وتوافر الموارد."وفي سوريا، يعمل الهلال الأحمر العربي السوري على تطوير سيناريوهات مختلفة في حالة تصاعد النزاع. وبما أن الأزمات في سوريا طال أمدها، فإن جمعية الهلال الأحمر العربي السوري تستعد للعمل الذي يتعين عليها القيام به في حال هناك حاجة إلى إجلاء السكان الجرحى أو المتضررين.وتتمثل خطة الطوارئ الخاصة بها في تحسين استجابتها من خلال تنفيذ تدابير وقائية للموظفين والمتطوعين عند الوصول إلى المناطق المعرضة للخطر، والاستعداد لتجهيز المزيد من سيارات الإسعاف لعمليات الإجلاء، والقيام بالمزيد من أعمال الصيانة لضمان توافر سيارات الإسعاف هذه. باختصار، ينصبّ التركيز على الاستعداد لسيناريو النزوح المحتمل للسكان.من جهته، يهدف الهلال الأحمر الأردني إلى الاستعداد للإجلاء المحتمل للجرحى من الضفة الغربية إلى الأردن لتلقي العلاج الطبي. لدى الهلال الأحمر الأردني مستشفى خاص به، لذا فهو يرغب في تعزيز خدماته الطبية، وكذلك استقبال وإيواء المحتاجين للعلاج.الحاجة لمزيد من الاستثماربالإضافة إلى الأزمة المعقّدة، تعرضت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤخرًا للعديد من الكوارث، مثل الزلازل التي ضربت سوريا والمغرب، والفيضانات في ليبيا، والتي خلّفت آلاف القتلى وأحدثت دمارًا هائلاً. وفي المغرب، كانت الجمعية الوطنية تعمل منذ عدة سنوات على أنشطة التأهب والاستعداد، وتحديث خططها للطوارئ، وإجراء تمارين المحاكاة مع السلطات المحلية، فضلاً عن وجود خطة طوارئ واضحة على المستوى الوطني. وكان الهلال الأحمر المغربي واضحًا بشأن ما يجب القيام به في ظل سيناريوهين مختلفين، وكان الزلزال أحدهما. يقول فيصل: "لدى الجمعية الوطنية خطة طوارئ شاملة وواضحة، وهذا أمر لا نراه كثيرًا. إنه أمر مثير للإعجاب للغاية. ويتضمن التنسيق مع الجهات الأخرى وكيفية تفعيله على المستوى الوطني."ومع ذلك، ليست كل جهود التأهب والاستعداد متساوية في الكفاءة، ومن الضروري الحفاظ على الإجراءات والموارد المستدامة لضمان استجابة الجمعيات الوطنية بشكل مناسب للأزمات والكوارث.وأضاف فيصل: "بشكل عام، للأسف، نرى أنه في معظم الحالات لا تكون الموارد متاحة إلا عندما تتصدر حالة الطوارئ عناوين الأخبار، كما في حالة الزلزال في سوريا".واستجابةً لهذه المخاوف، قام الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بتطوير مقترح لبرنامج متعدد السنوات حول التأهب للزلازل في ثمانية بلدان بالمنطقة، يعتمد على نهج متعدد المخاطر. لكن، كما يقول فيصل، لم يتلق المقترح أي دعم من الشركاء والمانحين.وقال: "لذا، عندما ضرب الزلزال في المغرب، رأينا أنفسنا في نفس الوضع الذي كنا فيه قبل سبعة أشهر في سوريا. نحن لا نحاول الضغط على الشركاء، لأن الأمر لا يتعلق بالموارد فحسب، بل يتعلق أيضًا بالمشاركة التقنية."ولهذا السبب من المهم جدًا تسليط الضوء باستمرار على الحاجة إلى التأهب والاستعداد قبل وقوع الكارثة. وتوضح كريستيل سانتاماريا، منسقة إدارة مخاطر الكوارث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، الأمر على هذا النحو: "يجب أن نواصل الاستثمار في التأهب، لضمان استدامة الموارد. يجب تحديث جهود التأهب دوريًا، والحفاظ عليها مع مرور الوقت، لضمان قدرة الجمعيات الوطنية على الاستجابة بفعالية للأزمات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذا هو التحدي."كتابة أوليفيا أكوستا