تشتهر باراغواي بحرارتها العالية في الصيف، بحيث يمكن أن تصل درجات الحرارة إلى 45 درجة مئوية، ولكن مع أزمة المناخ، يمكن أن تصل درجات الحرارة إلى مستويات لا يمكن تصورها.
في السنوات الأربعين الماضية، زادت موجات الحرّ ثلاثة أضعاف في مجتمعات مثل سانتا آنا وبرشلونة الثانية في مدينة أسونسيون. وهذا يعني المزيد من الجفاف والحرائق التي تهدد صحّة السكان.
فضلاً عن الظروف المناخية القاسية في الصيف، هناك الظروف المناخية القاسية في الشتاء. خلال موسم الأمطار، غالبًا ما تغمر الفيضانات هذه المجتمعات، مما يجبر العديد من الأسر على الانتقال مؤقتًا إلى أحياء أو مناطق أخرى من البلاد.
"نحن نعيش على ضفاف نهر باراغواي، وفي أوقات معينة، تحدث فيضانات كثيرة، وتغمر المياه مجتمعي والمجتمعات الأخرى القريبة منه"، يقول دومينغو، أحد سكان سانتا آنا.
"بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الأشخاص الذين يملؤون الأرض بالقمامة وطبقات التربة التي يمكن أن تصبح بسهولة مصدرًا للحرائق".
حتى في وسط الشدائد، تحلم هذه المجتمعات بمستقبل لا تكون فيه القدرة على التكيف مع المناخ مجرد هدف، بل وسيلة لتنظيم الأحياء والمجتمعات والدول بأكملها.
قد يصبح هذا الحلم، على الرغم من أنه يبدو طموحًا، ممكنًا بفضل مبادرات مثل تلك التي يروج لها الصليب الأحمر الباراغواياني والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر وبرنامج المساعدات الإيرلندية في باراغواي. إن توسيع الإنذار المبكر والعمل المبكر هو مشروع يسعى إلى تعزيز قدرات المجتمعات على الاستعداد للكوارث والاستجابة لها، وتعزيز القدرة على التكيف مع المناخ على المدى الطويل.
صورة: الصليب الأحمر الباراغواياني
ولكن كيف ستبدو سانتا آنا وبرشلونة الثانية إذا كانت المجتمعات فيها قادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ بنسبة مئة بالمئة؟
في المستقبل المثالي، لن يكون الناس في هذين المكانين معفيين من آثار الكوارث، ولكن سيكون لديهم الأدوات اللازمة لتوقعها والتصرف بسرعة وإنقاذ حياتهم وحياة أحبائهم وحماية ممتلكاتهم لمواصلة أنشطتهم في أعقاب الكارثة.
ويقول هيكتور جويكس، مدير البرامج والعمليات في الصليب الأحمر الباراغواياني: "إن نظام الإنذار المبكر سيعدل بشكل كبير قدرات المجتمعات على الاستجابة للكوارث المختلفة: الفيضانات، والجفاف، والعواصف أو الأوبئة؛ وهذا أمر أساسي لتوليد روابط بين المجتمعات المختلفة".
إن المسار نحو مستقبل يتّسم بالقدرة على الصمود بدأ بالفعل. ووفقًا لجويكس، فإن الاستراتيجية التي اقترحها الصليب الأحمر الباراغواياني تقوم على ثلاثة ركائز: دمج التكنولوجيا، والتعليم، وبناء الثقة من خلال آليات المشاركة المجتمعية.
التكنولوجيا والتعليم: ركائز الاستعداد
في مجتمع يتميز بالقدرة على الصمود، فإن استخدام الأدوات التكنولوجية المتاحة من شأنه أن يسمح للمجتمع بأكمله بتلقي المعلومات في الوقت الحقيقي، من خلال القنوات التي يختارونها.
يوضح خورخي أولميدو، أحد متطوعي الصليب الأحمر الباراغواياني، "لبناء نظام الإنذار المبكر، حدّدنا قنوات التواصل التي يستخدمها الناس، والمصادر التي يتلقون منها أو يمكنهم تلقي المعلومات حول الكوارث المرتبطة بالطقس والتي قد تؤثر على المجتمع بأكمله".
"على سبيل المثال، في حي ديفينو نينو، توجد محطة إذاعية مجتمعية تعمل كقناة رسمية لتنبيه المجتمع في حالة وقوع كارثة".
يلعب التعليم أيضًا دورًا محوريًا في الطريق إلى القدرة على الصمود في وجه المناخ. في المستقبل الذي نحلم به، من شأن التدريب على الإسعافات الأولية والوقاية من الحرائق أن يمكّن السكان من حماية أنفسهم.
صورة: الصليب الأحمر الباراغواياني
الثقة والمشاركة المجتمعية
لتحقيق هذا المستقبل الذي يتّسم بالقدرة على الصمود، يعد التعاون بين الصليب الأحمر والمجتمعات المحلية أمرًا أساسيًا لبناء الثقة والمسؤولية المشتركة.
ويقول دومينغو، أحد قادة المجتمع المحلّي في سانتا آنا: "مع متطوعي الصليب الأحمر، كانت المهمة الأولى التي قمنا بها هي تقييم المنطقة بأكملها، والأسر، والبنية التحتية، وكذلك الاجتماع مع افراد المجتمع بأكمله للتحدث بشأن المخاوف والتهديدات الأكثر شيوعًا".
وبعد جمع هذه المعلومات، يقوم المجتمع بإنشاء لجان تتلقى المشورة من الصليب الأحمر بشأن كيفية تنبيهها والاستعداد للاستجابة في حالة وصول كارثة محتملة.
هذا التماسك لا يؤدي إلى تحسين العمل المبكر فحسب، بل يعزز أيضًا التعاون والرفاهية العامة.
تقول روث، وهي احدى سكان مجتمع برشلونة الثانية: "في كل مرة يهطل فيها المطر، نتواصل مع بعضنا البعض لأن هناك العديد من المنازل التي تحطمت أسقفها، ثم نذهب لمساعدة الأسرة في مواجهة العاصفة. وعندما يهطل المطر، نكون بالفعل في حالة تأهب".
من إمكانية الى واقع: الرعاية الصحية وأحلام المستقبل
وفي المجتمعات القادرة على الصمود، ستكون الرعاية الصحية ذات أولوية حتى في حالات الطوارئ، لضمان حصول المجتمع، في مواجهة الفيضانات، على الرعاية الصحية حتى لو اضطروا إلى الذهاب في الملاجئ.
يقول خورخي أولميدو، أحد المتطوعين في منظمة أسونسيون: "سيكون عملنا الرئيسي هو إنشاء عيادة متنقلة لتوفير الرعاية الصحية حيثما يتواجد المجتمع، حتى لا يضطروا إلى التحرك، لأنه أمر صعب في حالات الطوارئ".
إن تحويل المستقبل الذي يتّسم بالقدرة على الصمود إلى واقع هو مهمة لا يستطيع أي مجتمع أو منظمة أو بلد أن ينفذها بمفرده.
وإدراكًا لذلك، يشارك الصليب الأحمر الباراغواياني والعديد من المؤسسات العامة في تنظيم منصة وطنية للحوار متعدد القطاعات بشأن الإنذار المبكر والعمل المبكر؛ تشمل المنصة ممثلون عن المجتمع المدني، والقطاع الإنساني، والأوساط الأكاديمية، والمجتمع العلمي، والمنظمات الأخرى العاملة في إدارة مخاطر الكوارث على المستوى المحلي أو الوطني.
تعمل هذه المساحة على تعزيز الوعي بمخاطر الكوارث والكشف عنها ومراقبتها ورصدها وتحليلها والتنبؤ بها؛ اضافة الى نشر التحذيرات وتعزيز الاستعداد لحالات الطوارئ وقدرات الاستجابة لها.
"إن أزمة المناخ تترك بصماتها على حياتنا وتمثل تحديًا يتخطى الأجيال"، يختتم مدير البرامج والعمليات هيكتور جويكس. "نحن بحاجة إلى بذل الجهود لخلق ظروف أفضل للأجيال القادمة."